23 يونيو 2013

خريطة الجزر الأمنية في طرابلس

    6/23/2013 07:34:00 ص   No comments

غسان ريفي
يخشى أبناء طرابلس من أن يؤدي الاشتباك السياسي في لبنان والمعارك المستمرة في سوريا، وما يرافقهما من تحريض مذهبي بلغ ذروته، الى تحويل مدينتهم الى جزر أمنية أو «إمارات» تجتاحها فوضى السلاح وترسم بينها حواجز خوف نفسية ومعنوية تعزلها عن بعضها البعض.

لم تعد المحاور الساخنة في التبانة والقبة والمنكوبين وجبل محسن هي العنوان الأمني الوحيد في طرابلس، بل ان جولات العنف المتلاحقة وخروج قادة المحاور عن سلطة القيادات السياسية والأمنية، وصراع النفوذ بين أمراء الأحياء، أوجدت محاور جديدة في كل مناطق طرابلس بدون استثناء.


كما أدى ذلك الى فرز عسكري حقيقي بين شوارع المدينة التي بات يتقاسمها المشايخ والكوادر والاجنحة العسكرية للعائلات، الذين يتحصنون خلف مجموعات شبابية مسلحة، ويتغذون بالتحريض المذهبي أو بالعناوين السياسية المطروحة، فيفرضون قوانينهم على من حولهم، ويقبضون ثمن حماية الممتلكات، ويخوضون المعارك التي تهدف الى زيادة هيمنتهم وتوسيع رقعة نفوذهم، ما يجعل المدينة بكاملها على أكثر من فوهة بركان قد تنفجر أي منها في أي لحظة.

كيف هو الواقع الأمني في طرابلس اليوم؟
في التبانة ثمة «اتحاد إمارات» سياسية وإسلامية يضم عشرات المحاور لكل منها قائد له أفكاره وارتباطاته وتوجهاته يشتبكون مع جبل محسن معقل «الحزب العربي الديموقراطي» المحسوب على القيادة السورية، وذلك عبر جولات عنف متتالية بعناوين محلية وإقليمية.
وفي القبة، تنشط المجموعات السلفية المتشددة على المحاور مع جبل محسن، فيما تتمركز في عمقها ضمن مربعات أمنية واضحة، «حركة التوحيد الاسلامي» بزعامة الشيخ بلال شعبان، و«تنظيم جند الله» بزعامة الشيخ كنعان ناجي، إضافة الى مجموعات السلفيين وبعضها مخترق من عناصر «الجيش السوري الحر»، والمجموعات المسلحة الموالية لـ«تيار المستقبل» بما كان يعرف بـ«أفواج طرابلس»، وعدد من العائلات التي ساهمت الفوضى الأمنية بتقوية نفوذها.
أما في أبي سمراء التي تقدمت الواجهة الأمنية مؤخرا، فيبلغ التنوع السياسي والعسكري مداه، حيث المركز التاريخي لـ«حركة التوحيد الاسلامي» في محيط ساحة الشراع منذ العام 1982، يقابله مركز قيادة «الجماعة الاسلامية»، وعلى بعد أمتار قليلة المركز الرئيسي لـ«حزب التحرير»، وعلى مسافة ليست ببعيدة مقر «قوات جند الله».
وما بين ساحتي سعدون والضناوي، تنتشر عائلة حسون وتتمدد باتجاه زيتون أبي سمراء وصولا الى مستديرة المولوي ومحيط الشلفة (الطريق المؤدية الى مجدليا ـ زغرتا) كما ينتشر في تلك الشوارع سلفيو الشيخ داعي الاسلام الشهال، إضافة الى مجموعات «مستقبلية».
ولا يقتصر الأمر على شوارع أبي سمراء الداخلية، بل يتنامى الحضور السلفي في المنطقة الجديدة لجهة «جامعة المنار» حيث لكل مجموعة شيخ أو قائد وأكبرها تلك التابعة لحسام الصباغ والشيخ سالم الرافعي، يضاف إليها عناصر من «الجيش السوري الحر» ومن السوريين المتشددين الذين يتخذون من «مستشفى الزهراء» و«مجمع الأبرار» مقرا لهم، إضافة الى كثير من الشقق السكنية.
ومن أبي سمراء نزولا الى الأسواق مرورا بكورنيش النهر وصولا الى الحارة البرانية، يحكى عن ترسانة عسكرية موزعة بين «حركة الناصريين العرب» بزعامة الشيخ عبدالكريم النشار الموالي لـ«قوى 8 آذار»، وبين مجموعات شبابية سلفية يقودها الشيخ علي هاجر ومشايخ آخرين، ومجموعات أخرى تابعة لـ«تيار المستقبل»، ولقيادات ميدانية ذات توجهات مختلفة، ولا تزال هذه الأسواق تعيش تداعيات الاشتباكات الأخيرة التي خاضها السلفيون تحت شعار طرد عائلة النشار من المنطقة وإقفال مكاتبها التابعة لـ«حزب الله».
وفي الزاهرية، تنتشر أيضا خطوط التماس، فتتمركز عائلة الموري المحسوبة على «حزب الله»، الى جانب «حركة التوحيد الاسلامي» في مسجد أبو القاسم، ويحيط بهما مجموعات سلفية تابعة للشيخ سالم الرافعي وتتخذ من مسجد التقوى مقرا رئيسيا لها. وقد بدأت مؤخرا مجموعات الرافعي تتمدد باتجاه البولفار وساحة عبد الحميد كرامي مرورا بالجميزات حيث المركز التاريخي للقوميين السوريين المقفل موقتا والموجود في عهدة الجيش اللبناني، وصولا الى الميناء التي تشهد تحركات لمجموعات من «المستقبل»، الى جانب عناصر سورية. 

تضاف الى هذا الانتشار، مجموعات مسلحة تتوزع في كل المناطق الطرابلسية بدون استثناء تدين بالولاء للمرجعيات السياسية ولعدد من نواب المدينة وجمعيات دينية أخرى، لكن هذه المجموعات لا تظهر إلا في المناسبات.

من يضبط الايقاع؟

في السنوات الماضية، كان عنوان الاستقرار في طرابلس (باستثناء المحاور التقليدية الساخنة) ينطلق من التنوع السياسي والتوازن العسكري القائم بين القوى التي كانت مقتنعة بأن أحدا لا يستطيع أن يلغي الآخر. 

لكن اليوم، وفي ظل التحريض المذهبي والسياسي، تسعى بعض الأطراف للاجهاز على خصومها وطردهم من المناطق التي تفرض نفوذها عليها، تحت شعار: «توحيد البندقية السنية» أو «إزالة المربعات الأمنية التابعة لحزب الله»، ولعل الاشتباكات العنيفة التي شهدتها الأسواق الداخلية في طرابلس على هامش الجولة 16، أكبر دليل على ذلك.
أمام هذا الواقع، يمكن القول إن وحدات الجيش اللبناني وقوى الامن الداخلي المنتشرة في مختلف أرجاء طرابلس تضبط إيقاع المواجهات المسلحة في المحاور التقليدية أو في خطوط التماس المستجدة، من دون أن تتمكن من ضبط الأمن فعليا في المدينة في ظل الجرح السوري المفتوح والانقسام اللبناني المستمر منذ ثماني سنوات وافتقاد طرابلس لمصالحة تاريخية.

وفي هذا الاطار، تبدو طرابلس اليوم متفلتة من أية ضوابط أمنية، فالسلاح المنتشر أفقيا يظهر علنا في الشوارع ويستخدم في مناسبات الفرح والحزن، وفي تصفية الحسابات، وفي الإشكالات العائلية والفردية التي حققت رقما قياسيا بمعدل إشكالين في اليوم الواحد منذ شهر أيار الفائت، فيما الساحات العامة أصبحت عبارة عن «هايد بارك» للتعبير عن المواقف التي تتحكم فيها كل أنواع الغرائز.

كل ذلك، يجعل من طرابلس قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة، وهي إذا كانت تنأى بنفسها اليوم عما يجري في مناطق لبنانية أخرى بعدما دفعت ثمنا باهظا لجولة العنف الرقم 16 بشريا وماديا، فانها تبقى جاهزة للاستخدام الأمني عندما تدعو الحاجة، خصوصا أن النار فيها لا تزال تحت الرماد.
___________

غير معرف

About غير معرف

هيئة التحرير

Previous
Next Post
ليست هناك تعليقات:
Write comments

شكرا

المتابعون


ابحث عن مقالات مثل التي قرأت

Advertise Here

المقالات الأكثر قراءة

_____________________________________________________
حقوق التأليف والنشر © مراجعات. جميع الحقوق محفوظة.