ناصر شرارةبعد العقوبات التي فرضتها دول مجلس التعاون الخليجي على ما
وصفتها بـ«مصالح» حزب الله في دول الخليج، تستعد الرياض لتصعيد هذه
الإجراءات في الأيام القليلة المقبلة
قالت مصادر مطلعة لـ«الأخبار» ان السعودية ستعلن «قريباً جداً» قرارات تصعيدية «غير مسبوقة» ضد حزب الله. وأشارت المصادر إلى أن لبنان استوضح في الأيام القليلة الماضية دوائر مجلس التعاون الخليجي عما اذا كانت الاجراءات التي أعلنها ضد الحزب تطال الجاليات اللبنانية في الدول الخليجية. وجاء الردّ بأن على الحكومة اللبنانية «الرجوع الى البيان الصادر عن مجلس التعاون، والذي يعكس الموقف الرسمي لدول الخليج، لجهة إدانتها تدخل حزب الله في سوريا. اما اعتبار الحزب منظمة ارهابية فلم يحصل، ولكن يمكن اعتبار لهجة البيان الشديدة خطوة اولى، يرجح ان تليها خطوات اذا لم يوقف الحزب تدخله في سوريا». ولم يتضمّن الردّ تفسيراً لنوع المصالح التابعة لحزب الله التي ستستهدفها دول الخليج. لكنه شدّد على أن البيان «اعتمد في اجتماع مغلق، وصدر بالتوافق، ويعبّر عن إجماع كل دول المجلس».
وتشير معلومات إلى أن الرياض تتزعّم الحملة الخليجية، تأصيلاً لنهج موجود أساساً في السعودية يرفض الانفتاح على حزب الله، سواء قبل معركة القصير او بعدها. وهذا النهج يستند الى نظرة سياسية ودينية إلى الحزب. إذ لم تنجح السياسة السعودية، يوماً، في الحد من تأثيرات البعد العقائدي في كل مرة حاولت فيها مقاربة ملف حزب الله.
شخصية سعودية مقربة من الأسرة المالكة والمؤسسة الوهابية المشاركة في الحكم، تشير الى أن حزب الله تجاوز الخط الاحمر حينما نجح في اظهار نفسه كـ«طليعة بنية الفعل الحضاري» للأمتين الاسلامية والعربية. فمن وجهة نظر السعوديين، «يجب ان يكون هذا الدور معقودا دائماً لطليعة اسلامية سنية». وباختصار، فإن السعودية الوهابية لا تريد رؤية العالم الاسلامي والعربي منقاداً من طليعة حزب الله المرتبطة بإيران الشيعية. وهذه النظرة العقائدية تخضع لتشدد في التطبيق في السياسة الرسمية السعودية بضغط من المؤسسة الدينية التي تتحمل، إلى حد كبير، مسؤولية عدم مقبولية حزب الله في الرياض.
مفارقات سعودية
ومن مفارقات السياسة السعودية انها تتسم بمناخين متناقضين: «الأداء الصبور» و«الانطباعية الحادة». فالمعروف ان الملك عبد الله يبني أحكامه حيال ملفات معقدة انطلاقا من الانطباع الذي يكونه عن أشخاصها. فالملك، مثلاً، لا يستطيع رؤية خالد مشعل لأنه، في رأيه، كذب عليه وحنث بوعده الذي قطعه له في لقاء مكة الفلسطيني. وهو، بعد انعطافة النائب وليد جنبلاط وتشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، رفض كل المحاولات التي بذلت لديه لاستقبال زعيم المختارة، ونقل عنه أنه أبلغ رئيس الاستخبارات السعودية بندر بن سلطان: «دعه يأتي اليكم اذا كان لا بد من ذلك. ولكن أنا لست هنا». والانطباع الحاد نفسه يتحكّم بنظرة الملك السعودي تجاه الرئيس بشار الاسد الذي «لا يلتزم بتعهداته كوالده».
وتقول المصادر ان العاهل السعودي لم يكوّن انطباعاً حاداً حيال شخصية الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله. وتضيف أنه قبل احداث 7 ايار عام 2008، ولدت في السعودية فكرة احتواء حزب الله عبر اعتماد سياسة انفتاح صبورة في ادائها، قامت على أساس مبدأ بسيط ومسطح: «ماذا تدفع ايران للحزب؟ نحن مستعدون لأن ندفع أرقاما مضاعفة»! وقد وجّهت الرياض، حينها، دعوة لوفد من الحزب لزيارتها، وأوعزت إلى سفيرها في بيروت آنذاك عبد العزيز الخوجة بأن يسخى في تقديم سمات الحج لمناصري الحزب، وطلبت منه اللقاء بنصر الله. يومها، تم التشويش داخل الكواليس الأميرية في السعودية على الزيارة، وسرت شائعات عن إخضاع خوجة لتفتيش دقيق شمل ساعة يده، وإجباره على خلع حذائه من قبل جهاز امن الحزب قبيل دخوله للقاء نصر الله. ومعظم هذه «الخبريات»، بثها مقرّبون من الامير بندر الحريص على عدم محاورة حزب الله. علماً أن خلافاً بين اتجاهين كان يحكم فريق عمل السفارة في بيروت يومها حول من يتولى الملف اللبناني: الأول قاده خوجه بغطاء ملكي، والثاني قادته جماعة الأمن بغطاء من بندر. فيما كان الرئيس سعد الحريري منحازا للجناح الثاني، مع محافظته على علاقة ود مع خوجه لقناعته بأنه قناة اتصال سريعة مع الملك. وهو همس اكثر من مرة لمقربين منه: «لا تسألوا خوجة لأنه لا يعرف ما يجب فعله. بندر الوحيد الذي يعتدّ به».
من جهته، نفى خوجة يومها في كواليسه ما بثته «ماكينة بندر» من شائعات عما جرى خلال لقائه بنصر الله. وقدم ما قال انه القصة الحقيقة لما حصل، ومفادها انه اثناء اللقاء «ورد اتصال هاتفي داخلي لنصر الله، أفاده بأنه منذ بدء اجتماعي به تداوم طائرة تجسس إسرائيلية على التحليق في سماء الضاحية. وكإجراء احترازي طلب مني بعد نهاية الاجتماع الا أغادر حتى تغادر الطائرة. واستمر انتظاري لنحو اكثر من ساعة. وهناك من فسر لي هذا الامر على انه يضمر وجود شك لدى امن الحزب بأني أبلغت جهة ما عن اجتماعي بنصر الله، وتسرب الامر إلى الاستخبارات الاسرائيلية التي أرسلت طائرة لتتبعي بغية تحديد مكان نصر الله».
وبصرف النظر عن الروايتين، فإن وقائع اخرى حدثت مع خوجة خلال عمله يصعب على الرياض نسيان مغازيها، ومنها واقعة خلفت مرارة في نفس الملك. ففي خضمّ أحداث 7 أيار، اتصل خوجة، الذي كان يحمل لقب السفير الشخصي للملك، أكثر من مرة بالسفارة الايرانية طالباً وقف تقدم عناصر حزب الله في بيروت، لكن البرودة التي لقيها اضطرته الى مغادرة بيروت بحراً وعلى نحو اشعره بالحرج والاهانة.
سياسة المواجهة
طوال فترة عمله في لبنان، عمل خوجة على بناء علاقات شخصية مع نواب من حزب الله. كما ظل لفترة غير قصيرة يثق بـ«اعتدال» الرئيس نبيه بري، متكئا بذلك على ان الاخير يمكن ان يلعب دوراً مسهلاً في «احتواء» الحزب. ومع فشل سياسة الاحتواء هذه، تنحو المملكة اليوم في منحى متطرف لجهة اعتباره رأس حربة لـ«العدو الإيراني» في لبنان، وتسير الآن على خطى معاقبة الحاضنة الاجتماعية لحزب الله، لإجبارها على الفكاك عنه.
___________
ليست هناك تعليقات:
Write commentsشكرا