رياض درار
مع بروز مصطلح المجتمع المدني في أدبيات ومراجعات مابعد أحداث بولندة برزت معضلة المرجعية التي تصطدم في بلادنا بقيم الأكثرية الساحقة من أبناء المجتمع المسلم ما دعا النخب العربية إلى الدعوة إلى قطيعة مع هذا المفهوم الذي تراه مفهوماً نشأ في سياق تاريخي خاص محصور بالمجتمعات الغربية ومن ثم فهي تستدعي استعداء مجتمعاتها لهذا المفهوم وتعميق الشرخ بينه وبين الشعب العربي المسلم.
ومع ذلك خرج في الأمة من يقول بأن المجتمع المدني ليس غريباً على الأمة في مسار التاريخ ، وأن التاريخ بما أنه حركية متواصلة ومتداخلة ونسبية ، فليس من المقبول تثبيت مصطلح فيه تثبيتاً أبدياً كتعريف صالح لكل زمان ومكان .
مع بروز مصطلح المجتمع المدني في أدبيات ومراجعات مابعد أحداث بولندة برزت معضلة المرجعية التي تصطدم في بلادنا بقيم الأكثرية الساحقة من أبناء المجتمع المسلم ما دعا النخب العربية إلى الدعوة إلى قطيعة مع هذا المفهوم الذي تراه مفهوماً نشأ في سياق تاريخي خاص محصور بالمجتمعات الغربية ومن ثم فهي تستدعي استعداء مجتمعاتها لهذا المفهوم وتعميق الشرخ بينه وبين الشعب العربي المسلم.
ومع ذلك خرج في الأمة من يقول بأن المجتمع المدني ليس غريباً على الأمة في مسار التاريخ ، وأن التاريخ بما أنه حركية متواصلة ومتداخلة ونسبية ، فليس من المقبول تثبيت مصطلح فيه تثبيتاً أبدياً كتعريف صالح لكل زمان ومكان .
وفي مفهوم المجتمع المدني سواء أراد المثقف النخبوي ذلك أم لم يرد – وسواء انسجم هذا التحول مع مفهومه الذي اقتبسه عن آباء المجتمع المدني من روسو إلى غرامشي أم لم ينسجم , فمفاهيم المجتمع المدني التي نشأت في حالة نقض للطابع الديني للدولة والسياسة لم تعد كما نشأت ، وفي الغرب نفسه، ثم في أوربا الشرقية والاتحاد السوفياتي السابق لعب الدين دوراً أساسياً في حركية المجتمع، في مناهضته سلطان الدولة وأجهزتها البيروقراطية والحزبية، حيث اتخذ المجتمع المدني طابعاً صراعياً ضد البيروقراطية – الحزبية اللادينية – متحولاً عن أصل نشأته التي اتخذت طابعاً صراعياً مع التيوقراطية الدينية .
وقد ساهم المجتمع الذي تحرك من ضمن العودة إلى الديني المقدس في النشاط المدني دون أن يفقد صفته الدينية ، ولا يحق أن ننفي عنه صفة المدني لمجرد عودته إلى الكنيسة التي رفعت في أدبياتها إدانة التمييز العنصري وساهمت في تحرك المجتمع باتجاهات الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وحقوق الانسان ، والتصدي للقهر الاجتماعي والطبقي ولها اهتمام بمشاكل العالم الثالث ، ووضعيات الحضارة الصناعية .. دون أن يؤثر ذلك في مسيحيتها ، أو يصادر علاقتها بما هو ديني .
فإذا كان الغرب قد تصدى لمسائل المجتمع المدني بروحه الجديدة فإن المجتمع العربي لن يكون معزولاً عن إسلامه وهو يتصدى لذات المسائل .إن الصيرورة التاريخية تهيب بالمتصدين لمسائل المجتمع المدني أن لا يتوقفوا عند المصطلح على أنه ثابت لايتغير وهذا يدعو :
1- إلى تجاوز المفهوم الذي يحصر المجتمع المدني في قالب الفلسفة الليبرالية ، أو المادية المعادية للدين ، والتي تدعو إلى فصله عن السياسة المدنية , لأنها بذلك تهدم المجتمع والسياسة المدنية ، وتثبت الحكم الفئوي للسلطة بصورتها العسكرية أو الاستبدادية الشمولية .
.2- إلى تجاوز النظرة الضيقة لبعض الحركات الإسلامية ، والموقف الدمجي الذي يدعو لتماهي المجتمع في الدولة تحت شعار الحاكمية الإلهية ، أو ولاية الفقيه ، أو حتى الخلافة . ففي نسبية التاريخ تجاه هذه الأطروحات نجد أن لا حقيقة مطلقة وثابتة وأبدية في المسائل التاريخية ، وأن مانعتقده حقائق هو ظواهر ينبغي وضعها في السياق التاريخي ، وداخل التاريخ الذي هو حركة وتحولات لاتتكرر ولا تأسره تطورات حتمية إلزامية .
ومن هنا فإن استيعاب تجربة الغرب برمتها لا في تجميدها في جزء منها أو مرحلة من مراحلها . وإذا كان لابد من الرجوع إلى الغرب ، فلننظر إليه في مساره المتكامل ، وفي إنجازاته كلها ، وفي أحدث ماابتدعه من مناهج وطرائق ونظريات .وفي الواقع فإن هذا ما فعله رواد النهضة حين اغترفوا من معين العلوم الغربية ، ووضعوا معالم مشروع نهضوي مبنية على فهم عميق للعصر الذي عاشوا فيه ، واستشراف للمستقبل من خلال رؤية علمية دقيقة مدركة لصيرورة تواريخ الشعوب ، دون أن يتخلوا عن أصالتهم ولا عن دينهم ، بل لعلهم واكبوا عصرهم ولم ينهاروا أمام نهضة الغرب ، بل واجهوه بأحكام شريعتهم ومصطلحاتها الشرعية .
إن القول بعدم تثبيت مفهوم نهائي للمجتمع المدني ، أو حتى وضع تعريف محدد له ، نابع من كونه ظاهرة . وبما أنه ظاهرة فإن له صفة التطور ، فلا يجوز أن نضع محددات قاطعة نهائية له ، بمعنى إذا فقدت هذه المحددات انعدم المجتمع المدني . وإنما يجوز القول بوجود أساسات للمجتمع المدني تتمثل بالديمقراطية ، والتعددية ، والتداول السلمي للسلطة ، ووجود المؤسسات .
فوجود المؤسسات المستقلة والتي تعمل بكامل الحرية يفترض التعددية التي هي أحد المداخل الرئيسة إلى المجتمع المدني . ولأن التعددية غير قابلة للتحقق إلا في إطار من الاستقلالية النسبية لكل العناصر المكونة لهذه التعددية فلا بد من الإقرار بالتداول السلمي للسلطة . والتداول السلمي يفترض الديمقراطية بما هي تعبير عن أن الحقيقة لا يمكن أن يملكها فريق واحد ، وإنما هي قاسم مشترك بين الجميع ، فلا يزعم فريق أنه صاحب القرار النهائي .
وبالتالي فإن المجتمع المدني لا يرفض الإيديولوجية ولكنه يرفض السلطة المؤدلجة، فالتعددية التي هي من مقتضيات المجتمع المدني تقوم على رفض الإيديولوجية الشمولية ، لكنها لا ترفض التعددية الإيديولوجية والسياسية . وعلى الجميع أن يلتزم بنواظم يتفق عليها الجميع ، وهي نواظم ممثلة بالدستور والقوانين الأساسية ، ويمكن للإيديولوجية بهذا المعنى أن تثري الدستور والقوانين بما يتفق عليه الجميع.
ليست هناك تعليقات:
Write commentsشكرا