يقدم عبد المنعم أبو الفتوح المرشح الرئاسي السابق في الانتخابات الرئاسية المصرية السابقة ومؤسس ورئيس حزب مصر القوية، رؤية مختلفة عن المشهد السياسي المصري بعد 30 يونيو (حزيران)، فقد شارك هو وحزبه الذي يعد لونا مختلفا من تيار الإسلام السياسي فيما يصفه أبو الفتوح بالغضبة الشعبية لإقالة الرئيس السابق محمد مرسي، لكنه يرفض تدخل الجيش، وإن كان يوافق في الوقت نفسه على خريطة الطريق الحالية التي أعلنت بالتوافق بين القوى السياسية والجيش، وهو موقف يعرضه لانتقادات من الجانبين، الإخوان المسلمين الذي كان يعد أحد قياداتهم قبل انشقاقه عن الجماعة في 2009 التي يقول إنه أصبح لا علاقة له بها منذ ذلك الوقت، وكذلك من التيارات السياسية المعارضة لحكم الإخوان والتي تقول إنه يمسك العصا من النصف.
يروي عبد المنعم أبو الفتوح في حوار أجرته معه «الشرق الأوسط» في القاهرة تفاصيل المكالمات الهاتفية التي أجراها ظهر يوم 3 يوليو (تموز) مع أحمد فهمي رئيس مجلس الشورى المنحل، مطالبا إياه بإبلاغ مرسي بضرورة الخروج وإعلان الدعوة لاستفتاء لبقائه أو إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وهو ينتقد بشدة أداء الإخوان والرئيس السابق مرسي الذي يتهمه بالافتقار إلى الخيال السياسي، كما يشير إلى أن قيادات الإخوان لم تكن تجرؤ على التحرك بين الناس في تلك الفترة مما يشير إلى حجم الغضب عليهم، لكنه في الوقت نفسه ينتقد القوى السياسية التي دعت إلى تدخل الجيش، وقال إنه كان يأمل في استمرار النضال السلمي المدني حتى إسقاط مرسي، وفي ما يلي مقتطفات من الحوار الذي دار:
* ننطلق من المشهد السياسي الحالي، كما يبدو هناك انسداد في الأفق أو صعوبة شديدة في اتجاه حدوث مصالحة وطنية.
- طبعا، مصر في أزمة كبيرة بعد 3 يوليو، البعض يسميه انقلابا عسكريا والبعض لا يريد أن يسميه انقلابا، لكن هو في رأيي بكل التوصيف انقلاب عسكري، ولا يمكن أن نقارن ما حدث بعد 30 يونيو بما حدث بعد 25 يناير (كانون الثاني) التي كانت ثورة بكل المفاهيم من وجهة نظري لأنه كانت هناك حالة توحد شعبي حول إطاحة نظام مبارك بكل ما يعنيه نظام مبارك من فساد واستبداد ونظام بوليسي.. نظام حطم وأردى المجتمع والدولة المصرية أرضا على كل المستويات، المستوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
وبالتالي الذي حدث في 25 يناير انتهى ليس بإسقاط نظام مبارك لكن بإسقاط مبارك نفسه وبقي نظام مبارك كما هو على مدار فترة المجلس العسكري ثم فترة الرئيس مرسي، فلم يقم المجلس العسكري ولا الرئيس مرسي على مدار سنتين ونصف السنة بعد إسقاط الرئيس مبارك بتغيير في النظام وبقي النظام مسيطرا كما هو بكل مكوناته.
30 يونيو عبرت عن حالة غضب شعبي حقيقي، دعك من الذي يقول إن هناك فلولا التحقت بهذا الغضب الشعبي في هذا اليوم، هذا حقيقي لأن هؤلاء أعداء ثورة يناير ولا يريدون لهذه الثورة أن تكمل مسارها، كان طبيعيا أن يستغلوا هذا الحدث، الغضب الشعبي، والذي شاركنا فيه ونفتخر بذلك.
البعض (الإخوان) يقول إنها ثورة مضادة، وهذا ليس صحيحا لكنها استغلت لأن الذين خرجوا يوم 30 يونيو لم يكونوا الفلول أو ناسا لهم دوافع طائفية، ولا هم بعض الكارهين للإخوان المسلمين ونظام مرسي، لكن كانت هناك حالة غضب شعبي من سوء الأداء الموجود في مصر ليس فقط في السنة التي رأس فيها مرسي مصر باعتباره أول رئيس شرعي منتخب ونحن كنا من الناس المعارضين له بشدة ونتمنى أن نسقطه كرئيس منتخب لكن كما جاء عبر الصندوق، وكان نضالنا الثوري في حزب مصر القوية أن يكون ذلك أيضا عبر الصندوق لكن نحن وغيرنا من المناضلين مدنيا فوجئنا بـ3 يوليو (إعلان الجيش عزل الرئيس).
* كانت هناك كما قلت غضبة شعبية؟
- طبعا طبعا، ونحن شاركنا فيها.
* وكما حدث في 25 يناير كانت هناك في 30 يونيو غضبة شعبية انحاز إليها الجيش، فما هو الفارق؟
- في 25 يناير الناس غضبت، كان الشعب المصري متوحدا في مواجهة نظام بكل فصائله وحالة التوحد أهم ميزات أي ثورة شعبية، لا يمكن أن تقوم ثورة شعبية والشعب منقسم وإلا لأصبح صراعا سياسيا، وهذا ما حدث في 30 يونيو، هذا كان صراعا سياسيا نحن وآخرون كنا غاضبين على نظام مرسي ورافضين له خرجنا نعبر عن غضبنا، وغضبنا كحزب معارض لم يكن يوم 30 فقط بل قبله بثلاثة أشهر، أنا قمت شخصيا بزيارة 16 جامعة مصرية وعمل مؤتمرات باسم الحزب في المحافظات كلها وكان النداء الرئيس لنا هو إجراء انتخابات رئاسية مبكرة وشرحنا للناس لماذا، باعتبار أن هذا هو المسار المدني الديمقراطي، حينما يأتي رئيس ديمقراطيا انتخبه الشعب ونحن نحترم ذلك، ولا يمكن أن نسمح بالدوس على هذه الإرادة، لكن مسارنا كان النضال الثوري وأن نعمل توعية لمدة ثلاثة أشهر ثم شاركنا في مظاهرات 30 يونيو التي استتبعها اعتصام في الميادين وصولا إلى دعوة إلى عصيان مدني لإسقاط الرئيس، كل هذا نضال سلمي ديمقراطي طبيعي، وكنا من الرافضين بشدة أن نزج بالجيش المصري الذي نعتز به ونقدره ونحرص عليه في أتون السياسة، نعتبر أن أخطر نداء صدر من بعض الأطراف السياسية في مصر وبالذات داخل جبهة الإنقاذ هو نداء إلى الجيش المصري ليأتي ويصدر البيان رقم واحد لإسقاط النظام، قلنا هذا ليس نضالا ديمقراطيا أو مدنيا، وقلنا إن الاستعانة بالجيش خطر على الديمقراطية، وعلى الأمن القومي المصري، لأن دور الجيش الوحيد المقدس الذي أفخر أنا بأن لدي جيشا مصريا وطنيا مهنيا ليس طائفيا ولا جيش عصابات مثل جيش القذافي، المحافظة على حدود مصر والمحافظة على أمن مصر، نداؤه أو محاولة الزج به في السياسة خطر على الأمن القومي المصري. دعه يقم بواجبه ولا يجوز لمجموعة من السياسيين الفاشلين غير القادرين على أن يكملوا نضالهم السياسي في مواجهة تنظيم محمد مرسي بحيث يسقطونه عبر الصندوق فيستعيضون عن ذلك بنداء للجيش.. تعال يا جيش خلص لنا الموضوع الذي لا نستطيع أن نفعله بأنفسنا.
* مرسي رفض الانتخابات المبكرة.
- هذا حقه ولا أستغرب موقفه وإن كنت أعتبر ذلك قصورا أو غباء سياسيا أنه يرفض لأنه أتى بانتخابات فيقول والله الذي يريد أن يخرجني يكون ذلك بانتخابات، مقولته هذه مفهومة وبالتالي نحن كنا نكمل مسارنا الديمقراطي إلى إسقاطه بعصيان مدني، البعض يقول هل كان من الممكن أن تنجحوا؟ أقول نعم كان من الممكن أن ننجح، ولو لم يحدث كنا سنعيد الكرة مرة أخرى، وهذه هي الديمقراطية. فلو لجأنا كلما فشلنا في نضالنا السلمي للجيش لحل المشكلة فلن تقوم ديمقراطية في مصر.
* هل يمكن أن نعتبر ما حدث حتى مع اعتراضكم على تدخل الجيش تصحيحا للمسار يمكن أن يؤدي إلى الاستفادة منه، أو بمعنى آخر فرصة ثانية كما قال المبعوث الأميركي بيرنز في زيارته السابقة إلى مصر؟
- حتما هذا ما نريده الآن، لكن ما كنت أريد قوله، هو حتى لا نختلف على أن محمد مرسي كان رئيسا شرعيا، وكان هناك دستور شرعي نحن رفضناه بل دعونا الشعب إلى أن يقول «لا» له. لكن حصل استفتاء عليه وأقر، ونحترمه، هذه هي الديمقراطية التي للأسف أناس كثيرون لا يريدون أن يعترفوا بأن المسار الديمقراطي قد يأتي بما لا أريد لكن نحترمه، البعض يريد أن يأتي برئيس ودستور يقبله أو يخرج عن الذي حدث.
مع كل ذلك ما حدث حدث مع كل تداعياته التي نعيشها الآن، هناك انقسام داخل المجتمع المصري بين جزء من المجتمع.. نصفه ربعه أو أي نسبة، المهم جزء من المجتمع لا يمكن تجاهله، يرفض ما حصل ويريد أن يعود المسار الديمقراطي بعودة الرئيس المصري والدستور، وهناك جزء آخر من المجتمع يعتبر أن خروج الجيش صحح مسارا رغم أن خروجه غير مقبول بالنسبة لنا ومرفوض لكنه حدث لتصحيح هذا المسار.
وهذا الذي جعلنا في حزب مصر القوية ندعو إلى الجمع بين الطرفين اللذين لا ننتمي إلى أي منهما. فنحن في حزب مصر القوية لسنا مع الذين في رابعة العدوية أو ميدان النهضة مع أنهم يمارسون حقهم المشروع في إصرارهم على الدستور والرئيس المنتخب، هذا حقهم، ولسنا مع الطرف الآخر الذي يصفق لما نعتبره انقلابا عسكريا ولا يدرك تداعياته ومدى خطورته.
قلنا إنه من وجهة نظرنا حلا للموقف أن تعرض خريطة الطريق على استفتاء فتكتسب موافقة شعبية أو رفضا شعبيا ونحن مع هذه الخريطة ونؤيدها بتفاصيلها بما فيها التعديل الدستوري، والانتخابات البرلمانية والرئاسية، وإن كنا نرى أنه يجب أن نبدأ بانتخابات رئاسية حتى يأتي رئيس وتأتي مؤسسة ديمقراطية منتخبة ويفتح فيها الباب لكل الأطراف وهي التي تقود الانتخابات البرلمانية أو التعديلات الدستورية ثم الانتخابات البرلمانية، أيا كان الترتيب، الخلاف على الترتيب ليس جوهريا أو ذا قيمة كبيرة.
* سيعيد ذلك ما حدث من قبل.. رئيس مطلق الصلاحيات من دون برلمان أو مؤسسات منتخبة تحد منه.
- لا، يكون الرئيس معه الدستور، صحيح الدستور مطلوب تعديله ونحن من المشاركين في تعديله ونريد هذا التعديل، لكن رئيس منتخب من دون برلمان أفضل مما هو قائم، فهناك رئيس يمارس الإرادة الشعبية في الإعلانات الدستورية والإرادة البرلمانية بعمل قوانين، ويمارس السلطة التنفيذية بأنه رئيس دولة يشكل حكومة، هذا رئيس أكثر وهو ليس منتخبا، لكن لو جاء رئيس منتخب يمارس هذه الصلاحيات فيكون مستندا إلى إرادة شعبية عن طريق الانتخابات.
* لاحظت أن مواقف حزبكم تواجه انتقادات من قوى سياسية بأنكم تمسكون العصا من الوسط، وهو موقف في مثل هذه الظروف ليس شعبيا.
- لسنا في الوسط، نحن لدينا خطنا وهو الطريق أو المربع الثالث، ونحن منذ فترة مبكرة رفضنا طرفي الاستقطاب ونبهنا كثيرا على أن هذا خطر على الوطن. نحن طريقنا واضح وحاسم، ونحن نرفض ممارسة السياسة على جثة الوطن، نحن نمارس السياسة لمصلحة الوطن وبالتالي رؤيتنا واضحة جدا، وبالتالي حينما نجد موقفا يخرج عن مصلحة الوطن من وجهة نظرنا أو يخرج عن المبادئ الأخلاقية في العمل السياسي نرفضه، وبالتالي نحن لسنا في الوسط بين اثنين، هذا مربعنا الخاص بنا، ومعنا آخرون وندعي أن هذا معبر عن الحالة الوطنية المصرية البعيدة عن التطرف في هذا الطرف أو ذاك، بالتالي أتمنى من الذين ينتقدون مواقفنا وهذا شيء نحترمه ونقدره جدا أن ينقدونا نقدا موضوعيا بدلا من أن يقولوا عنا أنتم رماديون أو بين بين وما إلى ذلك. هذا كلام مرسل.. انقدني قل أنت أخذت موقفا في الموضوع الفلاني. مثال على ذلك الذين ينتقدوننا ويقولون إننا شاركنا في 30 يونيو، الطرف المؤيد للرئيس مرسي وتنظيمه يقولون أنتم شاركتم في 30 يونيو وبالتالي أنتم كنتم قفازا للانقلاب العسكري، نحن كنا رافضين لتدخل الجيش، و30 يونيو لا علاقة له بما تم في 3 يوليو، نحن خرجنا في 30 يونيو بنداء محدد مع كل القوى الشعبية وعموم المصريين وما يطلق عليهم أعضاء «حزب الكنبة» نقول لا نريد مرسي ويجب أن يرحل ولكن بانتخابات رئاسية مبكرة، لكنه لم يستجب، لكن كنا نتمنى أن يأخذ هذا النضال الشعبي مداه، يعني ليس ممكنا أن يخرج الشعب يوم 30 يطلع الجيش يوم 3، وقت مبارك الشعب خرج يوم 25 يناير والجيش تجاوب معه بعد تنازله، أي بعد 18 يوما، وكان طبيعيا أن يخرج الجيش وقتها ويقول إنه سيدير الوطن في تلك الفترة، المسألة مختلفة هذه المرة. في 3 يوليو الجيش تدخل من دون أن يعلن الرئيس أنه سيرحل، كنا نتمنى أن يتجاوب مرسي لكنه لم يفعل بسبب قصور سياسي لديه، وهو أدار البلاد على مدار السنة بقدر كبير وهائل من غياب الخيال السياسي والقصور السياسي. حتى يوم 3 يوليو نفسه حاولت الاتصال به وأقول يا دكتور مرسي إنقاذا للمسار الديمقراطي، وكنا أول من نادى بانتخابات رئاسية مبكرة، وكنا نحذر من مصيبتين.. أن تحدث فوضى وهذا خطر على البلاد لأنه إذا جاءت الإدارة السياسية لا تلبي مطالب الناس فستكون هناك فوضى، الثاني خطر الانقلاب العسكري، وليس هو في حد ذاته بقدر ما أنه يعرض مؤسسة وطنية كلنا نعتز بها ولا نريد أن ندخلها في أتون السياسة للخطر، دعها تقم بواجبها وهو الحفاظ على حدود وأمن مصر وهذه أشرف مهمة يقوم بها الجيش، فكنا نحذر من الخطرين، ونقول ادع (الرئيس) إلى انتخابات رئاسية مبكرة، لعل الشعب يأتي بك مجددا فمعناها أنه يجدد الثقة بك أو يرفضك فترحل مكرما معززا وهذا ليس عيبا، للأسف يوم 3 اتصلت، ولا هواتف ترد غير هاتف الدكتور أحمد فهمي وهو قريب لمرسي ورئيس لمجلس الشورى، قلت له يا دكتور قل للرئيس مرسي يخرج الآن، الكلام هذا يوم 3 يوليو الاتصال الساعة 12 ظهرا، قلت له يخرج الآن ويقول أنا أدعو الشعب المصري إلى استفتاء على انتخابات مبكرة أو استفتاء على الرئيس هل يقبل أن يستمر في مدته أو يريدني أن أرحل، وحينما يعبر الشعب عن رأيه يمتثل للإرادة الشعبية وهذا إنقاذا للمسار الديمقراطي المدني، لأني كنت أشعر أنه لا يمكن للجيش أن يوجه إنذارا لمدة سبعة أيام ثم إنذارا لمدة 48 ساعة ثم يخرج بعد ذلك ويقول بعد ذلك يا جماعة أنا متأسف وسلام عليكم. لا أعرف كيف كان الرئيس مرسي يتجاوب مع هذه الأشياء.
* هناك قدر من التشابه بين مواقف مبارك الأخيرة ومواقف مرسي في تجاهل ما يحدث في الشارع؟
- يمكن، العناد أو عدم الخيال السياسي، مرسي كان أكثر عنادا من مبارك لأنه رئيس منتخب، وهذا حقيقي لا خلاف عليه، ولكن ماذا لو جئت أنا بإرادة شعبية ثم وجد غضب ورفض شعبي، حينما تعلم أن رموز تنظيم مرسي لم يكونوا يستطيعون أن يسيروا في شوارع مصر، ألا تشعرون أن الناس ترفضكم، بسبب أدائكم وليس لأشخاصكم؟! في الوقت الذي زرت فيه 16 جامعة وكنت أعقد مؤتمرات وألتقي بالشباب في المحافظات والنجوع لم يكن يجرؤ أي رمز إخواني أن ينزل ويلتقي بالناس، ألم يشعركم هذا أن هناك غضبا، ليس لأشخاصكم وإنما لممارساتكم وتنظيمكم وحزبكم؟! إذن كيف تتعاملون مع هذا لو كانت المبادرة جاءت منهم؟! أسباب الغضب الشعبي كثيرة وحتى نكون أمناء ليس فقط سوء أداء الرئيس مرسي وتنظيمه، وغرورهم وكبرهم وعدم مشاركة الآخرين معهم واعتماد الرئيس مرسي ليس على الشعب المصري ولكن على تنظيمه، هناك أسباب أخرى هي الثورة المضادة، وهذا طبيعي هناك ثورة جاءت برئيس وهناك ناس تريد أن تسقطه.. الإعلام الذي سلط على مرسي وتنظيمه شوه كل شيء وعمل غسيل مخ للناس بهدف إسقاطه، فعلت هذا قوى النظام القديم، طبيعي أنها أضيرت بالثورة فكان طبيعيا أن تواجه أي منتج من منتجات الثورة وتحاول إسقاطه لكن هذا ليس مفاجئا.
أين أنت أيها الرئيس مرسي من ذلك؟ ماذا فعلت في السيطرة على مؤسسات القوة التي لا يمكن لأي رئيس أن يحكم من غيرها؟ مؤسسات القوة كانت خارج سيطرته، حين مذبحة الاتحادية أين أنت وأين الحرس الجمهوري الذي يواجه هذا وأين الشرطة؟ يقول أنا اتصلت بوزير الداخلية وظل أربع ساعات لا يرد، إذن أنت خارج الخدمة أيها الرئيس، إذن لماذا تريد أن تستمر؟! هذه هي المأساة التي نعيشها.
* مرت سنتان ونصف السنة، ولو افترضنا أنه حصلت انتخابات بعد تسعة أشهر، فهل سيتكرر السيناريو أم أن الوضع سيكون أكثر تنظيما أو قدرة؟
- الانتخابات كانت من حيث التنظيم منظمة والناس مارست حقها، لكن الانتخابات الرئاسية الديمقراطية التي جرت كان هناك خطر يتهددها أدى إلى هذه النتائج، وما زال الخطر قائما، والمسؤول عنه من هم في السلطة في ذلك الوقت وهم المجلس العسكري ومن هم موجودون في السلطة الآن، وهو أكبر خطر يهدد أي ديمقراطية في أي دولة ديمقراطية وليدة مثلنا، وهو المال السياسي، لأن المال السياسي دخل لأطراف، وأعلن عن هذا المستشار حاتم بجاتو. سبعة مرشحين للرئاسة من عشرة مرشحين تلقوا مالا سياسيا أداروا به معركتهم، في بلد 70 في المائة منه فقراء. حينما أكون أنا مرشحا لا أملك من المال الذي أقيم به حتى حملة دعائية في التلفزيون، ثم يأتي أحد المرشحين وينفق وفقا لما قيل عن أقل المبالغ التي أنفقت، من ثلاثة مليارات إلى 12 مليارا، إذن كيف أواجهه وهو ينفق كل هذا المال حتى أصبح منافسا رغم أنه كان في الترتيب رقم تسعة، فسار منافسا أساسيا في الانتخابات؟ وغير ذلك، ما دام هناك مال سياسي فهذا خطر يهدد مصر والديمقراطية في أي بلد. الخطر الثاني ما دام هناك مؤسسة قوة فوق جميع المؤسسات فلن تكون هناك ديمقراطية، فمؤسسات القوة يجب أن تكون خلف المؤسسات المدنية داعمة لها وحامية لها، وليست حاكمة. ولن تقوم ديمقراطية إلا بمنع هذين الأمرين وهما استمرار مؤسسة القوة حاكمة واستمرار المال السياسي الذي يأتي من الشرق ومن الغرب حتى الآن.
* لكن من الصعب منع المال السياسي والتمويل السياسي الموجود في العالم كله، إلا إذا كنت تتحدث عن المال الخارجي.
- أنا أقصد المال الخارجي بالدرجة الأولى. المال الداخلي مصريون يجتمعون ويدفعون فلوسا وما إلى ذلك، ومع ذلك في كل الدول الديمقراطية توضع معايير للإنفاق حتى من المال الداخلي. لا يمكن أن يكون مسموحا للمرشح أن ينفق 100 مليون أو مليار أو غيره، ومرشح آخر لا يجد ما يصرفه. لا بد أن تكون مصادر التمويل شفافة وتحت الرقابة. كل هذا للأسف لم يحدث، في الوقت الذي أعلن فيه أحد الرئيسين في لجنة الانتخابات الرئاسية أن سبعة مرشحين للرئاسة تلقوا أموالا. حسنا، فماذا صنعت؟ لماذا لم تتم إحالتهم للنيابة العامة؟ ولماذا لم تتخذ إجراء ضدهم؟ هذا شيء مؤسف.
* أعتقد أنك تقصد بمؤسسة القوة التي أشرت إليها المؤسسة العسكرية.
- طبعا.. طبعا.
* هناك رأي يقول إن علاقة المصريين بمؤسستهم العسكرية قوية وشعبية، وتاريخيا كان هناك أشكال تدخل بدأت حتى من أيام أحمد عرابي، أعني يوجد هذا الشكل من العلاقة.. الناس تثور فالمؤسسة العسكرية تدخل معهم.
- يجب أن نجتمع جميعا من أجل مصلحة هذا الوطن وهذه المؤسسة التي أهم ميزة تميزها أنها مؤسسة وطنية وليست مثل جيش حافظ الأسد وليست مثل كتائب نظام القذافي.. الجيش المصري جيش وطني نفخر كلنا ونعتز به كمصريين، لكن نريد منه أن يكون بعيدا عن أتون السياسة، وألا يكون وصيا على المجتمع ولا على الدولة لأن هذا خطر عليه وعلينا. ودع الناس تتفاعل وتستكمل تفاعلاتها. والديمقراطية تبني نفسها، مع تقديرنا لشفقته على وطنه، لكن نحن لم نكن في هذه الحالة في أي وقت من الأوقات.
* بالنسبة لخارطة الطريق التي أعلنت، ما رأيك فيها؟
- نحن نرى أنها خارطة مناسبة لكننا نقول إنها لو عرضت على استفتاء شعبي لأخذت مشروعية شعبية، حتى لا تفرض بالوصاية العسكرية، لكنها فرضت بالوصاية العسكرية.
* لكن قيل إنها كانت بالتوافق وإن قوى سياسية شاركت.
- لا.. وما مصدر التوافق؟ أنا مع الخارطة وأؤيدها رغم أنني لم أشارك فيها ولا في بنائها، لأنه من الطبيعي اتخاذ الإجراءات الثلاثة، وهي أن تقوم بعمل تعديلات دستورية وانتخابات برلمانية ورئاسية بغض النظر عن الترتيب. هذا طبيعي لتصحيح المسار، لكن على أن يتم عرضها على استفتاء شعبي حتى تأخذ مشروعية شعبية. أما ما حدث، فأين هي الأطراف التي شاركت وتوافقت؟ إذا كان أكبر الأحزاب المعبرة، وبعض مرشحي الرئاسة الذين يعبرون عن حالة شعبية، لم يشاركوا فيها أصلا. حتى لو قلت بالتوافق، إلا أن أي مرشح للرئاسة لم يدع لها أو يشارك فيها، حتى بالنسبة للمرشحين الذين حصلوا على مليون صوت فأكثر ويمثلون حالة شعبية. لم أشارك فيها لا أنا ولا غيري من مرشحي الرئاسة. ولم تشارك فيها أحزاب قوية وكبيرة.. البعض شارك «نعم»، ومع ذلك فخروجا من هذا، يمكن عرض خارطة الطريق على استفتاء، وهذا أمر سهل تحت إشراف المجلس العسكري، فتأخذ مشروعية شعبية إن تمت الموافقة عليها، وبالتالي لا تصبح معبرة عن وصاية ولا تكون قد فرضت بالقوة ولا بالمجلس العسكري، ولكن وقتها ستكون قد فرضت بإرادة شعبية، لكن هي كخارطة بحتة جيدة.
* جزء من خارطة الطريق يتعلق بمسألة المصالحة الوطنية ودعوة كافة الأطراف بمن فيهم الإخوان للمشاركة، هل هذا كلام عملي؟
- لو لم نحل المشكلة.. الرئيس الذي تمثله تجمعات شعبية موجودة في الميادين، منذ أكثر من 30 يوما، ولا يمكن غض الطرف عنها أو النظر لها بهذا التسفيه الحاصل من بعض الأطراف الإعلامية ووصمها بالإرهاب.. كل هذا كلام لا يحل مشاكل وكلام غير صحيح وعدوان على الناس وعدوان على هذه التجمعات بمجازر دموية وقعت مرتين. هذا لا يحل المشكلة. هذا طرف، وهناك طرف آخر، عليهما أن يجلسا.
* لكن الطائرة أقلعت، ومن الصعب أن ترجع مرة أخرى، وإلا فستسقط.
- لا.. لا.. أنا لست مع القول إن الطائرة أقلعت، تقصد أنه أصبح هناك واقع موجود. الحل ليس الرجوع إلى ما كان قبل يوم 3 يوليو. لا أحد يقول هذا، ولكن ليس الحل أيضا أن تنطلق من دون رعاية ولا تقدير ولا اعتبار لهذا الغضب الموجود. جزء من الشعب غاضب لما حدث وجزء مؤيد لما حدث. وبالتالي نقول إن طرفي الجانبين يجلسان معا لوضع حل لهذه المسألة. ونحن عرضنا حلولا وغيرنا عرض حلولا قابلة للتطبيق وليست مجرد حلول نظرية. لكن الانطلاق من دون اعتبار للغضب الشعبي أو مواجهته بالقوة وبالمجازر التي حدثت، فهذا لا يحل المشكلة.
* كنت أعتقد أن الأمر فيه مبالغات، لكن هناك تأييد جارف للجيش، ولو السيسي نفسه أراد أن يخوض الانتخابات الرئاسية فسيكسبها.
- لهذا أقول لك إنه يوجد انقسام شعبي. نختلف على نسبته. التأييد لهذا الطرف 60 في المائة أو 70 في المائة، وذاك الطرف 30 في المائة أو غير ذلك، إلا أنه يوجد انقسام بنسب يمكن أن نختلف حولها.. أن هناك غضبا شعبيا ضد عودة الرئيس مرسي، هذا صحيح، وأن هناك غضبا شعبيا آخر مع عودة الرئيس مرسي، يعبر عن نفسه في الميادين، فهذا صحيح أيضا، لكن ما نسبة هذا وما نسبة ذاك؟ لهذا نقول نذهب للصندوق ونعرض خارطة الطريق على الصندوق، فيؤيدها الشعب أو لا يؤيدها، بدلا من أن يدعي كل طرف أنه يمثل 80 في المائة من الشعب المصري أو أنه حشد 40 مليونا كما يقول مؤيدو الرئيس مرسي، والطرف الآخر يقول لا أنا يوم 30 يونيو أو يوم 26 يوليو خرج 33 مليونا. قل ملايين كما تريد، لكن أفضل طريقة لمعالجة هذا الانقسام أن يجرى استفتاء على خارطة الطريق، وعلى الجميع أن يحترم النتيجة ويلتزم بها لإعادة ضبط المسار الديمقراطي.
* هناك من يقول إن جزءا من سبب رفض النظام السابق ليس مجرد سوء أداء أو مشاكل اقتصادية، ولكن بسبب وجود قلق كبير عند قطاع من المصريين على هوية الدولة نفسها وعلى هويتهم هم، وإن هناك محاولة لأخذ هذه الهوية في اتجاه هم لا يريدونه.. ويقول بعض الناس إن هذا أضر بتيار الإسلام السياسي في المجتمع المصري وقد يكون على صعيد المنطقة، فهل هذه التجربة يمكن أن تفرز عملية مراجعات؟
- أنا أتصور أنه يجب أن الأطراف التي شاركت وعلى وجه التحديد تنظيم الإخوان المسلمين وتنظيم السلفيين والجماعة الإسلامية التي لحقت بهم.. يجب أن يراجعوا أنفسهم. وأنا من سنة 2007 كتبت وناديت كل أبناء الحركة الإسلامية: أيها الناس، لا تخلطوا العمل الحزبي بالعمل الدعوي. المؤسسات الدعوية التي قامت للدعوة إلى الله سواء حكومية أو رسمية أو شعبية يجب أن تظل في هذا المجال ولا تدخل في مجال المنافسة الحزبية كمؤسسات وبالتالي يكون الإخوان والجماعة الإسلامية والتيار السلفي والأزهر الشريف والكنيسة.. كل هؤلاء ينبغي أن يمارسوا عملهم الدعوي الديني بعيدا عن العمل الحزبي، وأن خلط العمل الحزبي بالعمل الدعوي الديني الإسلامي والمسيحي خطر على الدين وخطر على السياسة. وأنا أقول هنا إن هذا فصل وظيفي وشرحت هذا الكلام. وتجربة السنة الأخيرة أثبتت أن ما قلته في 2007 وناديت به وأكدت عليه، وهو خلط العمل الدعوي الديني بالعمل الحزبي أو السلطة، أدى إلى فساد السلطة وفساد العمل الدعوي، للأسف الشديد، فلعلهم يراجعون أنفسهم، وتنسحب كل المؤسسات التي زجت بنفسها في أتون العمل الحزبي سواء الأزهر أو الكنيسة أو المؤسسات الشعبية مثل الإخوان والسلفيين والجماعة الإسلامية، ويعودون إلى وظائفهم الطبيعية، أما بالنسبة لأفرادهم الذين يريدون أن يشاركوا فليشاركوا كمواطنين.. يعملون حزبا أو يدخلون مع حزب، لكن لا يكونون كذراع (سياسية لمؤسساتهم الدعوية). أنا ضد أن تكون أي مؤسسة من هذه المؤسسات حزبا أو أن يكون لها ذراع حزبية. لعل هذه أهم مراجعة يمكن أن يقوم بها هؤلاء. على كل هذه المؤسسات أن تبتعد عن التنافس الحزبي والتنافس للوصول للسلطة لأن هذا يضر الدين ضررا بالغا، وأن يقوموا بواجبهم الذي يحتاجه الوطن، وهو العمل الأخلاقي التربوي الدعوي. نحن في حاجة شديدة لمثل هذا العمل، لأننا كمصريين نحب أن ينشأ أولادنا تنشئة أخلاقية على القيم وعلى المبادئ سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين. إذا انشغل الجميع بالسلطة وبالتنافس على السلطة فمن سيقوم بهذا الواجب؟ وهذا هو الوقع الآن. انظر إلى الانهيار الذي نتعرض له والضياع الأخلاقي الموجود والكراهية التي أصبح البعض يخلط فيها بين كراهيته لتنظيم أو لحزب الحرية والعدالة أو لحزب النور وكراهيته للدين نفسه. هم خلطوا بين الاثنين، فلم يعد المواطن البسيط قادرا على التفرقة بينهما. أنت رافض حزب الحرية والعدالة أو حزب النور، أم رافض الدين نفسه؟! دخلت الدنيا في بعضها للأسف الشديد، فلعلهم يراجعون أنفسهم في هذه النقطة، وهي أهم نقطة.
* هل تعتقد أنه يمكن أن يحدث أمر مثلما حدث لتجربة أردوغان وأربكان في تركيا، أي يحدث تطور طبيعي بالنسبة لفكر الإخوان، أم هو صراع أجيال؟
- أنا لا أراه صراع أجيال. أنا أرى أنه يوجد اختطاف لجماعة الإخوان المسلمين من مجموعة لها فكر هذا الخلط، ويجب أن تراجع نفسها، وهذه مسألة تخصهم لأنني غادرت الإخوان نهائيا من سنة 2009. وبالتالي ما حدث من 2009 وحتى الآن والتفاصيل داخل التنظيم وإدارته وأشكاله أنا في الحقيقة لست مطلعا عليها بشكل يمكنني من أن أكون أمينا في عرض تفاصيل هذه المسألة.
* ومع ذلك لاحظت اليوم مواقع إلكترونية تقول إن أبو الفتوح هو المرشد الحقيقي لجماعة الإخوان.
- هذا من غرائب الإعلام الآن.. أن يقوم بنشر أكاذيب وتدليس وكراهية شديدة في المجتمع. يعني آخر واحد يمكن أن يتصور أن يكون في الإخوان الآن هو العبد الفقير إلى الله «أنا»، وبالتالي أنا لا علاقة لي لا بتنظيم الإخوان ولا بالجماعة ولا بمواقفها. وهذا لا علاقة له بالذم أو المدح في جماعة الإخوان المسلمين، ولكن هذا من باب تحديد المواقف.
* كيف تصف موقع حزبكم في الخريطة السياسية المصرية؟
- نحن حزبنا من أول يوم قمنا فيه قلنا إنه حزب مصري وطني قائم على ركائز أساسية أهمها أربع ركائز وهي احترامه للهوية العربية الإسلامية، واحترامه لقضية الحريات التي نعتبرها جزءا من الكرامة الإنسانية، والركيزة الثالثة الاستقلال الوطني وأنه لا يمكن لبلد كبير عظيم كمصر أن يظل يسير حتى الآن في ركاب الهيمنة الأميركية، وهناك فارق بين الاستقلال الوطني وأن تكون علاقتنا طيبة بالجميع كما ينبغي أن تكون. مصر أكبر من أنها تسير في ركاب هيمنة أميركية أو غير أميركية. الركيزة الرابعة هي الاهتمام بقضايا العدالة الاجتماعية في بلد 70 في المائة من سكانه فقراء. حتى نظام الرئيس مبارك وما بعده من مجلس عسكري ثم مرسي والنظام الجديد الحالي الموجود بعد الانقلاب العسكري، ساروا ويسيرون وكأن مصر بلد رأسمالي من دون أي رعاية لمعايير العدالة الاجتماعية، لا تنفيذ للحد الأدنى والحد الأعلى للأجور حتى الآن، النظام الضرائبي الذي يتوافق مع توفير الرعاية الصحية والتعليمية لكل المواطنين.. كل هذا نحن تحدثنا عنه في برنامجنا.
* هناك بعض الأشياء التي طرحت مثل الحد الأدنى للأجور في وقت تبدو فيه الموارد الاقتصادية لا تكفي، وكثيرون لا يجدون فرص عمل، أشياء كثيرة طرحت ويبدو أنها على أرض الواقع مجرد شعارات.
- الحد الأدنى للأجور تحدثنا عنه وقلنا حلولا عملية بعيدا عن الشعارات، أعني عندما تجد أن الحد الأعلى مثلا في دخل بعض موظفي ماسبيرو (التلفزيون الحكومي) أكثر من مليون جنيه، أنه إحدى المؤسسات الحكومية، أنا لا أتحدث عن المؤسسات الخاصة، المؤسسات الخاصة تعطي مرتبات كما تريد.. فلو تم ضبط الحد الأعلى للأجور فسيوفر ذلك موارد للحد الأدنى. وكذا النظام الضريبي. حين يكون هناك نظام ضريبي مهترئ وحين يكون للحكومة 40 مليار جنيه بهذا النظام الضريبي الضعيف، على بعض رجال الأعمال وعلى بعض المؤسسات.. لو جمعت الضرائب حتى بهذا النظام الضعيف، فإنها ستوفر موارد لـ«تمويل» الحد الأدنى للأجور. لو كانت هناك إرادة سياسية لوفرنا (أموالا) للحد الأدنى للأجور للناس لكي تعيش. ضعف الرواتب يؤدي لعنف اجتماعي. حينما يكون مرتب بعض الناس 200 جنيه أو 300 جنيه، في الوقت الذي يعيش فيه آخرون بمليارات الجنيهات، إذن أنت تدفع للعنف الاجتماعي.
* هناك كثير من الشواهد تشير إلى وجود ميل إلى العنف، وهو طابع جديد على ما يبدو على المصريين، ما سببه في رأيك؟
- أعتقد أن هذه حالة حقيقية موجودة في مصر.. يوجد عنف اجتماعي يعبر عنه في المجال السياسي ويعبر عن نفسه في الشارع العادي. حينما تقع مشاجرة عادية في منطقة الموسكي (وسط القاهرة) قبل ثلاثة أيام يموت فيها 15 شخصا.. كل هذا إحباط يعبر عن حالة إحباط بعد ثورة التف حولها الشعب كله وهي ثورة 25 يناير 2011، لكن الشعب طعن في طموحاته وفي آماله وفي حلمه بسلطة متخلفة سواء التي حكمت لمدة سنة ونصف السنة، وهي المجلس العسكري، أو سلطة الرئيس مرسي وتنظيم الإخوان المسلمين. الشعب لديه قدر كبير من الوعي وهو ليس غبيا، لكنه غبار ممن ينظر إلى الشعب بهذه الطريقة. الشعب مدرك أن البلد الذي انهار بعد 30 سنة من حكم نظام مبارك، لن يتم إصلاحه في سنة واحدة، لكن كان ينبغي أن يكون هناك أفق ورؤية، لا أن يخرج رئيس الدولة لكي يتحدث إليه في خطاب ديني ويدغدغ عواطفه، هذا لا يحل للمواطن مشكلة أكل العيش. كان يتمنى أن يخرج من يتحدث إليه في أكل عيشه، ومشكلة كذا تحل بطريقة كذا، وأن يجد بعض الآمال في حلول على الأرض، لكنه لم يجد كل هذا، فبالتالي العنف الاجتماعي الموجود في المجتمع المصري يعبر عن حالة غضب حقيقي موجودة لو لم تعالج بشكل صحيح وموضوعي وأمين، فإن هذا العنف سيزداد.
* أشرت إلى انهيار الدولة بسبب فترة حكم مبارك، هل كان مبارك كله، طوال 30 سنة، شرا؟
- لا يوجد إنسان كله شر، لكن معظم فترة حكمه كانت شرا.. دع السياسة جانبا، لأن الصين حكمها نظام مستبد إلا أنه كان يوفر للناس أكل العيش والصحة والتعليم، لكن حين نأتي لنظام مبارك تجد منظومة التعليم فيه منهارة وكذلك الأمر لمنظومة الصحة، وعملية الفساد بشكل غير مسبوق منذ أيام المماليك.. والذين ينهبون أراضي الدولة بهذا الشكل، بجانب استبداد سياسي ومصادرة ووضع نظام بوليسي يعتقل المعارضين السياسيين ويعذبهم ويقدمهم للمحاكمات العسكرية وغيره، يكون نظامه كله شر، لكننا لا نقول إن نظام مبارك لم يقم بعمل مشاريع بنية أساسية وطرق وكبار وغيرها.
* يلاحظ أنه تم تقسيم المجتمع إلى فلول وغير فلول.. أفهم أن بعض القيادات والوزراء، مثلا الحزب الوطني كان يقول إن عدد أعضائه ثلاثة ملايين، وبالتالي أصبحوا كلهم فلولا وأعداء بعد سقوط نظام مبارك.
- أنا كنت ضد استخدام كلمة فلول.. الفلول في تعريفنا في حزب مصر القوية هو كل من لوث بدماء وأموال المصريين، أي شارك في فساد سواء فساد سياسي أو مالي، سواء كان في السلطة أو في حزب آخر معارض. وبجانب هذا قلنا إنه ليس كل من كان في السلطة ولا كل من كان في الحزب الوطني إنسانا غير شريف. نحن كأطباء لمصر نقيب الأطباء الذي نفخر ونعتز به حتى هذه اللحظة هو الأستاذ الدكتور حمدي السيد وكان أحد كوادر الحزب الوطني لكنه كان رجلا وطنيا شريفا أمينا لم تلوث يده بالمال وكانت مواقفه كلها مع الحريات وضد إعلان حالة الطوارئ، وكان الحزب الوطني يضطهده وهو عضو فيه بسبب مواقفه. أنا أضرب مثلا، وقد لا يكون هذا المثل هو الغالب، وأن الجو الغالب كان السير مع جو الفساد والانحراف.
* طرح في بدايات مرحلة ما بعد مبارك إعادة قانون الغدر، في حين كان أحد أسباب صدور هذا القانون نظام الحكم الذي جاء بعد 23 يوليو 1952.
- لن تبنى الديمقراطية بعد ثورة إلا بالعدالة الانتقالية وجزء منها أن تواجه بالعدل وليس بالقوانين الاستثنائية كل من أفسد في الحياة السياسية أو المال. لكن ما هو القانون الذي يستخدم وهل قانون جديد أم قانون قديم.. الذي دعا لاستخدام قانون الغدر القديم، كان يقول إنك لو وضعت قانونا جديدا فمعناه أنك ستطبقه بأثر رجعي وبالتالي لن تطبقه على من أفسدوا، وبالتالي لا بد أن تأتي بقانون قديم، لكن في الحقيقة الثورة لم تستكمل أهدافها بسبب أن من تسلطوا على الحكم بعد الثورة أناس لم يتوفر عندهم الإرادة لتحقيق أهداف الثورة سواء المجلس العسكري أو نظام الرئيس مرسي وحزبه.
* يقال في التجارب التاريخية إنه أحيانا التغييرات الاجتماعية تأخذ وقتا، والبعض قال إن مصر ربما يكون أمامها من 10 إلى 15 سنة لكي تستقر وتضع قدميها على الطريق، مع الأخذ في الاعتبار أن مصر تعيش في منطقة أصلا مضطربة وغير مستقرة، كما أن فترة الضعف قد تغري الآخرين بإثارة ملفات مثل ملف المياه، فإلى أي مدى يمكن أن تتسبب المرحلة الانتقالية الطويلة في التأثير على مصالح مصر؟
* لا شك أنه توجد كمية عداء موجهة لمصر. أعتقد أن الأمر مرتبط بأن تعيد النخب المصرية ضبط بوصلتها في الأداء، وأن يكون الأداء لصالح الوطن وليس لصالح أحزاب أو أشخاص. أتصور أن المواقف التي نمر بها تدفع كل وطني شريف أن يعيد النظر في أدائه نفسه. الأمر يحتاج من مؤسسات القوة في مصر أن تراجع نفسها وأن تدرك أن الديمقراطية لن تبنى في مصر ما دامت تريد أن تفرض الوصاية على المجتمع.. تحتاج من المؤسسات الدينية والدعوية أن تراجع نفسها أيضا بعدم الزج بالدين في أتون السياسة، كما نطالب كذلك بعدم الزج بالعسكر في أتون السياسة. أنا أتصور أن البناء الاجتماعي والبناء الديمقراطي يتعرض لكبوات مثل التي نحن فيها الآن، وهذا يدفع الجميع أن يراجع نفسه.
* ما رؤيتك للزيارات التي تقوم بها وفود أجنبية لمرسي؟
- أنا أتصور كتقييم كلي لها، أنها تعبر عن أن مصر في منطقة مهمة للعالم كله وهي منطقة الشرق الأوسط، وأن هذه المنطقة لن تستقر إلا باستقرار مصر، وبالتالي من مصلحة الجميع أن تستقر مصر. وطبيعي أن يكون أول المستفيدين من استقرار مصر هم أصحاب مصر.. هو الشعب المصري نفسه، وبالتالي يجب أن نكون نحن بكل قوانا السياسية وأحزابنا ومؤسساتنا حريصين على هذه الحالة.. حالة الاستقرار والاستمرارية.
* أعتقد أنه حتى الجيش لا يرغب في هذا، كل الإشارات من الجيش تقول إنه لا يريد ذلك.
- هم لا يريدون لكن البعض الآخر يريد أن يكون هذا الأمر، وهو أمر يمثل خطرا على الوطن. وعلى الجيش أن يحقق عدم الإرادة وأن ينسحبوا من المشهد في أقرب وقت لأنني أدرك أن القيادات الوطنية في الجيش المصري أخذت درسا كبيرا خلال السنة ونصف السنة التي تولى فيها المجلس العسكري إدارة البلاد بعد سقوط نظام مبارك، وأعتقد أنها اليوم لا تريد هذا، لكن للأسف بعض السياسيين الكسالى يريد أن يمارس السياسة ولو كان على جثة الجيش المصري نفسه، وهذا خطر علينا.
* شهدت طبعا أحداث 18 و19 يناير (1979) في مصر وكان عدد من خرجوا للشوارع كبيرا، ودائما يراودني سؤال: هل من خرجوا في تلك الأيام يعادلون عدد من خرجوا في 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013؟
- طبعا العدد في 18 و19 يناير كان عددا ضخما. الغضب وقتها كان كبيرا وكان المبرر الوحيد هو غلاء الأسعار والناس خرجت بشكل تلقائي، والادعاء بأن اليسار أخرجهم أو الإسلاميين ليس صحيحا. التصرف الذي حدث أنه كان هناك رئيس دولة قد تختلف معه، لكن كان لديه وعي سياسي، لحق العملية بسرعة وألغى الزيادات في الأسعار ونزل الجيش ليس لضرب الناس ولكن لاستيعاب الناس. ولهذا عولجت تلك الغضبة بشكل سريع وعادت الأمور لوضعها. كان هناك أفق تجاوب مع غضب شعبي. الإدارة السياسية التي لديها أفق لا يمكن أن تنظر للغضب الشعبي وتقول إن كل الموجودين في الشوارع 130 ألفا، كما حدث (من السلطة) يوم 30 يونيو 2013.
* هل تشعر أن القوى السياسية تشهد نضوجا في مصر؟
- جزء من إنضاجها أن نعطيها فرصة، ولذلك فأنا كنت معترضا على ما حدث في 3 يوليو 2013. لا بد أن يأخذ بناء الديمقراطية مداه. نحن، شعوب منطقتنا من دون استثناء، بما فيها الشعب المصري، لم يكن لديها سياسة.. ولم يكن هناك سياسة في مصر، ولم يكن هناك حتى القدرة على الخلاف ولا إدارة الخلاف في مصر. نحن قمنا بثورة وأطحنا بالنظام الذي كان يقف عقبة أمام الحرية وممارسة السياسة، ويجب أن أعطيها مداها. الناس وهي تتعلم السياسة مثل الطفل الذي يتعلم المشي.. يمشي ويقع. إذا قلت إنه وقع فينبغي ألا يمشي مرة أخرى، فإنه سيصاب بكساح، لا بد أن تعطيه فرصة ليمشي ويقع ويمشي ويقع، وبالتالي الإسراع في معالجة متاعب وعقبات ومشاكل الديمقراطية والحرية بعمل عسكري لن يعطي للديمقراطية مداها، وأن تنطلق كما حدث في مجتمعات أخرى مثل شرق أوروبا وأميركا اللاتينية وفي أفريقيا. ونتمنى أن يعطى لهذا المسار مداه من دون أن تتعجل المؤسسات العسكرية أو الدينية بالتدخل في هذا المسار، وعليها أن تبتعد عنه.
____________
المصدر: مكتوب
ليست هناك تعليقات:
Write commentsشكرا