رضوان مرتضى
وصل الخلاف بين أميري «جبهة النصرة» و«دولة العراق الإسلامية» حدّ القطيعة. لم تُفلح محاولات التسوية وفق صيغة «لا غالب ولا مغلوب» بعد، فانعكس الخلاف شقاقاً في الميدان وتفرّقت السُبل بـ«المجاهدين». هنا مستجدات الخلاف والحل المقترح وتسريبات يصف فيها رُسل أبو بكر البغدادي «جبهة النصرة» بـ«العصابة» وأميرها أبو محمد الجولاني بـ«الجندي المنشقّ»
لم يُقطع النزاع بعد. خلاف أُمراء تنظيم القاعدة في «سوريا الكبرى» يزداد احتداماً. والشقاق وصل حد الطلاق بين أمير «دولة العراق الإسلامية» أبو بكر الحسيني القرشي البغدادي وأمير «جبهة النصرة لأهل الشام» أبو محمد الجولاني. جهود المصلحين لم تُثمر بعد، فيما تُركّز محاولات احتواء الخلاف على «حصره بالقادة من دون تسرّبه إلى الإعلام والعسكر»، لا سيما أن جبهة القتال في سوريا بدأت تشهد انشقاقات عدد كبير من «المجاهدين» وانضمامهم إلى صفوف فرع القاعدة الوليد المسمّى بـ«الدولة الإسلامية في العراق والشام»، تحت راية الشيخ البغدادي. كما بدأ يسري بين المجموعات الجهادية خلاف شرعي حيال «خطيئة» مخالفة ولي الأمر التي ارتكبها الشيخ الجولاني برفضه النزول عند رغبة أميره، مقابل من يعتبرون أن البغدادي ارتكب خطأً بإعلانه الاندماج من دون استشارة قيادة «القاعدة»، كون سوريا «ولاية مكانية» لـ«جبهة النصرة» ويرأسها الجولاني، في حين يقتصر حكم البغدادي على العراق. علماً أن الخلاف بين الجهتين مردّه رفض الجولاني عرض البغدادي بدمج الجماعتين تحت مسمّى واحد، وإصرار الأخير على الدمج ما استدعى تدخّل زعيم «تنظيم القاعدة» الدكتور أيمن الظواهري للفصل في الخلاف، فاقترح إبقاء القديم على قدمه حتى يُقضى الأمر بشأن النزاع المستجد. وفي هذا السياق، أكّدت مصادر جهادية لـ«الأخبار» أنّ رسالة الظواهري التي عرضتها قناة «الجزيرة» في التاسع من شهر حزيران الماضي صحيحة مئة في المئة، كون الظواهري دعا فيها إلى «تجميد الوضع على ما كان عليه قبل الخلاف لحين الفصل فيه»، طالباً إلغاء «الدولة الإسلامية في العراق والشام» وإبقاء «دولة العراق الإسلامية» على اسمها وأميرها البغدادي، و«جبهة النصرة» كما هي وأميرها الجولاني، باعتبار أن كلا الشيخين أخطآ بحسب رسالة الظواهري. خطأ البغدادي إعلانه الدولة من دون مشورة وخطأ الجولاني إعلانه رفض الدولة وإعلان انتمائه للقاعدة من دون استشارة الظواهري. غير أن واقع الميدان نحا باتجاه مخالف لمشيئة الظواهري، إذ انسحب التخبّط الحاصل على مستوى القيادة على العسكر الضائعين بين تعدد الولاءات. فانقسم رفاق السلاح على بعضهم. وعزز ذلك، تنافسٌ قديم بين الظواهري والبغدادي الذي يعتبر نفسه الأوْلى بخلافة زعيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن. وعلى وقع تبادل التّهم بـ«مخالفة شرع الله وعدم الانصياع للفتوى الشرعية الملزمة الصادرة عن إمارة التنظيم»، خرجت فتاوى تُحرّم القتال بين الجهاديين بعدما وصل التوتّر حدّاً غير مسبوق. هكذا شُقّ صف تنظيم «جبهة النصرة» الذي يُعدّ رأس حربة مجموعات المعارضة المسلّحة التي تقاتل الدولة السورية. وعوضاً عن توحّد الصف تحت إمرة واحدة، تفرّق عسكر القاعدة بين «الجبهة» و«الدولة». فقد تناقل موقع «يوتيوب»، أول من أمس، مقطعاً مصوّراً لعملية انتحارية في مطار منّغ في حلب أعلنت «الدولة الإسلامية في العراق والشام» مسؤوليتها عن تنفيذها، علماً أن أبرز هجوم «استشهادي» نفّذته «جبهة النصرة» تمثل في اقتحام مبنى قيادة الأركان في العاصمة دمشق في أوائل آب ٢٠١٢. ورغم التنافس السائد، لم يُسجّل بعد وقوع أي اشتباك مسلّح بين أتباع التنظيمين، علماً أنهما يتشاركان المناطق المسيطر عليها في محافظات الرقة وإدلب وحلب ودير الزور والحسكة، وصولاً إلى ريف اللاذقية الشمالي مع الغلبة لصالح «الدولة الإسلامية» فيها، وكلما اقتربنا جنوباً باتجاه الحدود السورية العراقية، فيما يُسجّل الوجود الأكبر لمقاتلي «جبهة النصرة» في المناطق الوسطى والجنوبية (ريف دمشق وحمص ودرعا والقنيطرة وحماه). وبحسب المعلومات، ظهر الانقسام إلى العلن عبر اعتماد المجموعات الجهادية ذات الهوى القاعدي شعارين، يعبّر كل واحد منهما عن انتماء الفصيل الذي يرفعه. وبعدما كان شعارها الوحيد راية «جبهة النصرة»، وهي عبارة عن راية الاسلام السوداء، خُطّ في أسفلها «جبهة النصرة»، برز شعارٌ جديد هو راية «الدولة الإسلامية في العراق والشام» التي تقاتل تحت راية تنظيم القاعدة المعروف المرسوم داخله «ختم النبوّة» في دائرة بيضاء (محمد رسول الله)، لكنّه ذُيّل بعبارة (عراق ـــ شام). وفي ظل ترقّب التسوية المنتظر نضوجها إثر اجتماع قادة التنظيم في توقيت لم يُحدد سوى أنه سيُعقد بعد شهر رمضان، أُخليت الساحة لـ«رُسل تنظيم القاعدة» الذين بدأوا جولاتهم على رموز بارزة في التنظيم بين سوريا ولبنان والعراق وباكستان وأذربيجان.
وعلمت «الأخبار» من أوساط جهادية أن «الشيخ البغدادي أوفد رسولين من قبله للمشاركة في المفاوضات الجارية لإنهاء النزاع، أحدُهما يُلقّب بـ«زناد الإسلام» الذي يُعد المنسق الخارجي لـ«دولة العراق الإسلامية»، والذي يُروّج أن «الجولاني فقد التزكية وأصبح جُندي الدولة المنشقّ»، فيما تكشف المصادر نفسها أن الشيخ الجولاني يتولّى بنفسه التواصل مع الشخصيات نفسها إلكترونياً. إزاء ذلك، تكشف معلومات الجهاديين أنّ «دولة العراق الإسلامية» تتقدم على حساب تراجع «جبهة النصرة»، لا سيما بعد مبايعتها من قبل عدد من شيوخ وعشائر وكتائب إسلامية، بينها «كتيبة الليبيين» و«جيش المهاجرين والانصار» و«مجلس شورى المهاجرين». وفي الوقت نفسه، ينقل هؤلاء أن هناك مجموعات جهادية متعاطفة مع «جبهة النصرة» كـ«لواء أحرار الشام» و«لواء أنصار الحق»، أعلنت مبايعتها للشيخ الجولاني مؤخراً. وفي هذا السياق، تنقل المصادر نفسها أنّ أتباع الشيخ البغدادي يُحرّضون ضدّ أتباع «جبهة النصرة» بوصفهم «عصبة الجولاني». ويتهمونهم بأنهم «عصاة وبُغاة ومنافقون يُريدون إسقاط رمزية الشيخ البغدادي في البلاد». وبحسب هؤلاء، فقد تطور الأمر إلى وقوع «إشكال كبير بين قيادات ومجلس شورى جبهة النصرة مع قيادة دولة العراق الإسلامية». إزاء ذلك، تنقل أوساط جهادية سورية أنّ «الجولاني تلقى رسالة جديدة من الظواهري يقترح عليه فيها، لوقف التناحر وإصلاح الأمر، إلغاء الجبهة والمبايعة مع الدولة الإسلامية»، لكن الأخير ردّ عليه بأنه ماضٍ في خياره بانتظار الفصل من إجماع قادة التنظيم.
تجدر الإشارة إلى أنه يُنقل عن الجولاني عدد من المآخذ على البغدادي. أولاً اعتباره أن «إعلان الدولة إلاسلامية حصل من دون استشارة الفصائل المقاتلة في الشام». ومأخذه على «طلب الشيخ البغدادي البيعة لنفسه»، واختياره إخراج الخلاف إلى العلن مع ما يستتبعه ذلك من احتمال وقوع اقتتال داخلي بين الكتائب. فضلاً عن تقديراته التي رأت أن الخطوة جاءت متسرّعة وغير موفّقة بسبب «عدم استقرار الوضع السوري والاضطراب العام الذي يُعطي الفرصة للعدو المتربص، الداخلي («النصيري»)، والخارجي (الأميركي)، بحيث جاء هذا الإعلان على طبق من ذهب ليُستخدم ضد المجاهدين».
خلافات الأمراء
ليس جديداً الخلاف بين أمراء «تنظيم القاعدة»، إنما جديدهم تبادل الردود علانية عبر الإعلام. أزمة أمراء القاعدة في سوريا، تكرّرت منذ سنوات في العراق. فقد سبق أن وقع خلاف بين زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن وأمير التنظيم في بلاد الرافدين أبو مصعب الزرقاوي. كذلك وقع خلاف بين الرجل الثاني في التنظيم حينها الدكتور أيمن الظواهري والزرقاوي أيضاً. أما خلفيات هذا الخلاف، فكان بسبب مآخذ كل من الظواهري وبن لادن على تشدد الزرقاوي ومغالاته في استهداف أبناء المذاهب الأخرى من دون التركيز على الحرب ضد قوات الاحتلال الأميركي. وقد خرج إلى الضوء مضمون رسالتي بن لادن والظواهري، بحيث نصح الأخير أمير التنظيم في بلاد الرافدين بـ«أن لا يستنزف جهده في قتل عامة الشيعة وفي مهاجمة مساجدهم وبأن يكف عن بث مشاهد الذبح كي لا تُنفّر المسلمين من تنظيمه على تقدير أن نصف المعركة ساحتها التشويه الإعلامية الذي يجند له الأميركيون وقتاً وجهداً كبيراً». ليس هذا فحسب، يُسجّل خلاف آخر بين الزرقاوي وأستاذه أبو محمد المقدسي، الذي يُعد أحد أبرز منظري التيار السلفي الجهادي. وقد تمحور هذا الخلاف حول أسلوب عمل وتأسيس الإمارة الإسلامية.
الأمير والجندي
أخرجت مناظرات أُمراء القاعدة العلنية إلى الضوء صراعاً على مستوى قيادة التنظيم. بطلاه شيخان يتنازعان الإمارة الإسلامية بين «أمير جبهة» و«أمير دولة». الأول أمير «جبهة النصرة لأهل الشام» أبو محمد الجولاني الذي يُلقّب بـ«الفاتح». خرج اسمه إلى العلن في الأشهر الأولى للأزمة السورية من العام ٢٠١١، بعد ظهوره في تسجيل مصوّر من إصدار «المنارة البيضاء»، يُومها أعلن عن تشكيل الجبهة. أما هوية الجولاني فبقيت سريّة لم تُكشف حتى حقيقتها بعد. يتنقّل الرجل ملثّماً، فيُبقي لثامه على وجهه حتى في الاجتماعات التي يحضرها مع قادة الألوية المقاتلة. معلومات «جهاديين» تكشف أنّه شارك في قتال الأميركيين في العراق، مشيرةً إلى أنّه قضى سنوات عدة في الزنازين العراقية. وإثر اندلاع «الثورة السورية»، أوفده أمير دولة العراق الإسلامية إلى سوريا لتأسيس «نواة جهادية» عُرفت لاحقاً بـ«جبهة النصرة». أما أمير تنظيم «دولة العراق الإسلامية» أبو بكر البغدادي، فقد خلف أبو عمر البغدادي الذي قُتل في اشتباك مع القوات الأميركية في العام ٢٠١٠. ويعدّ البغدادي أحد المشايخ المقرّبين من أبرز أمراء القاعدة أبو مصعب الزرقاوي. لمع نجمه بعد إعلانه الوحدة عبر دمج «جبهة النصرة» بـ«دولة العراق الإسلامية» تحت مسمى «الدولة الإسلامية في العراق والشام». وكشفه تفاصيل سريّة بشأن تأسيس «جبهة النصرة» وإيفاده الجولاني لهذه الغاية. ويسجّل للبغدادي مواجهته زعيم «تنظيم القاعدة» أيمن الظواهري عبر تسجيل صوتي صادر عن «مؤسسة الفرقان للانتاج الإعلامي»، حمل عنوان «دولة الإسلام في العراق والشام باقية»، أكّد فيها تمسكه بخياره دمج «الجبهة» و«الدولة» حاسماً أمره بأنه لن يُساوم ولن يتنازل عنها.
ليست هناك تعليقات:
Write commentsشكرا