أوباما: السعودية مصدر للتطرّف... وأردوغان فاشل واستبدادي
يسعى الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى أن يترك وراءه «إرثاً إيديولوجياً»، إلى جانب «إرثه السياسي» الذي عمل على الترويج له منذ بداية ولايته الثانية. وهو في موازاة ذلك حاول الترويج لـ»عقيدته» في 83 صفحة نُشرت في مجلة «ذي أتلانتك»، أمس، واحتوت مقابلات معه ومع مسؤولي فريقه وغيرهم، ومع سفراء وقادة بعض الدول، تحدثوا عن هذه العقيدة
نادين شلق
يستثمر الرئيس الأميركي باراك أوباما الوقت المتبقي له في البيت الأبيض في شرح «عقيدته»، التي بدأت بالظهور في مقابلة مع توماس فريدمان نُشرت في صحيفة «نيويورك تايمز»، في نيسان الماضي، ليستكملها، أمس، في مقابلة موسّعة من 83 صفحة مع جيفري غولدبرغ في مجلة «ذي أتلانتك».
مادة مبنية على محادثات مع أوباما في البيت الأبيض وعلى الطائرة الرئاسية خلال رحلات عمل، وأيضاً على خطاباته السابقة ومقابلات مع مسؤولي السياسة الخارجية ومستشاريه للأمن القومي، ومع قادة غير أميركيين وسفراء في واشنطن، وأصدقاء لأوباما... كلها من أجل شرح «خرق» أوباما لـ»كتيّب قواعد» اللعبة المتّبع في السياسة الخارجية الأميركية، والذي عادة ما يلجأ إلى خيار القوة والتدخلات العسكرية في مختلف دول العالم.
نادين شلق
يستثمر الرئيس الأميركي باراك أوباما الوقت المتبقي له في البيت الأبيض في شرح «عقيدته»، التي بدأت بالظهور في مقابلة مع توماس فريدمان نُشرت في صحيفة «نيويورك تايمز»، في نيسان الماضي، ليستكملها، أمس، في مقابلة موسّعة من 83 صفحة مع جيفري غولدبرغ في مجلة «ذي أتلانتك».
مادة مبنية على محادثات مع أوباما في البيت الأبيض وعلى الطائرة الرئاسية خلال رحلات عمل، وأيضاً على خطاباته السابقة ومقابلات مع مسؤولي السياسة الخارجية ومستشاريه للأمن القومي، ومع قادة غير أميركيين وسفراء في واشنطن، وأصدقاء لأوباما... كلها من أجل شرح «خرق» أوباما لـ»كتيّب قواعد» اللعبة المتّبع في السياسة الخارجية الأميركية، والذي عادة ما يلجأ إلى خيار القوة والتدخلات العسكرية في مختلف دول العالم.
تبدأ الصفحات الـ83 بالنقاشات التي سبقت الإعلان عن إمكانية القيام بعمل عسكري في سوريا على خلفية اتهام الحكومة باستخدام أسلحة كيميائية في آب عام 2013. وهي أيضاً تنتهي بسوريا وبرؤية أوباما المتمثلة في الابتعاد عن الحل العسكري فيها، وفي داخل هذه الصفحات حديث عن الرئيس التركي «الفاشل» رجب طيب أردوغان، وعن تصدير الفكر الوهابي من السعودية إلى دول العالم، ومنها إندونيسيا، وأيضاً عن خيبة الأمل برئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الذي لم يساعد في التوصل إلى حل الدولتين.
العدول عن ضرب سوريا
في المقابلة مع غولدبرغ روّج أوباما لما مفاده أنه وجد نفسه تحت ضغوط داخلية وخارجية دفعته إلى إعلان نية التدخل العسكري في سوريا في عام 2013 إثر التقارير التي تحدثت عن استخدام غاز السارين في الغوطة؛ الاجتماعات مع مسؤولي السياسة الخارجية وفريقه الأمني كانت تطلب منه التحرّك عسكرياً. ولكن بحسب غولدبرغ، فإن «أوباما لم يكن يعتقد بأن الرئيس يجب أن يعرّض الجنود الأميركيين لخطر كبير من أجل تجنّب كوارث إنسانية، إلا في حال كانت هذه الكوارث تشكل خطراً على الولايات المتحدة». في هذا الإطار يقول الكاتب الأميركي إن أوباما كان يرى أن «سوريا تشكل منحدراً مثلها مثل العراق»، وهو توصّل، خلال ولايته الأولى، إلى اعتقاد مفاده أن «التهديدات تبرر تدخلاً أميركياً مباشراً، هي القاعدة، والتهديد لوجود إسرائيل، وأيضاً التهديد الذي يشكله السلاح النووي الإيراني والذي يرتبط بأمن إسرائيل». لذا، «لم يصل الخطر الذي يشكله نظام الرئيس السوري بشار الأسد إلى مستوى هذه التحديات».
آب 2013 كان مهماً جداً في «عقيدة» أوباما، وفق غولدبرغ. حينها عدل عن القيام بعمل عسكري، بعدما كان قد مهّد لذلك في خطاب ألقاه في البيت الأبيض على خلفية حديث مساعديه ووزير الخارجية جون كيري عن مصداقية أميركا ومستقبل مصالحها وحلفائها الذي أصبح على المحك.
بناءً على خطاب أوباما كان هناك الكثير من المسرورين بقرار التدخل العسكري، ومن هؤلاء السفير السعودي في واشنطن عادل الجبير الذي أصبح وزيراً للخارجية. يومها، أخبر الجبير أصدقاء له، وأيضاً مسؤوليه في الرياض، أن «الرئيس أخيراً جاهز لضرب سوريا». «أوباما أدرك مدى أهمية هذا الأمر»، قال الجبير لأحد محاوريه، مضيفاً «هو بالتأكيد سيضرب».
الجبير وعبدالله الثاني وابن زايد كانوا من المتحمّسين لضرب سوريا عام 2013
ولكن أوباما الذي كان قد طلب من البنتاغون وضع لائحة بالأهداف، «يؤمن بأن مؤسسة السياسة الخارجية الأميركية، التي يزدريها سراً، تصنع من المصداقية أمراً معبوداً، خصوصاً المصداقية التي يتم الدفاع عنها بالقوة»، على ما نقل عنه غولدبرغ.
لذا، «وجد أوباما نفسه يتراجع عن فكرة القيام بهجوم غير مصرّح به من القانون الدولي أو الكونغرس». ومن أسباب العدول عن ضرب سوريا، قال لغولدبرغ، إن «الشعب الأميركي بدا غير متحمّس للتدخل في سوريا، وأيضاً عدداً من القادة الغربيين الذين يحترمهم، مثل المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، ثم جاء رفض البرلمان البريطاني السماح لكاميرون بالهجوم على سوريا».
إضافة إلى ذلك، ساهم مدير الاستخبارات الوطنية في تردّد أوباما في ضرب سوريا، عندما زاره وأخبره بأنه على الرغم من أن المعلومات عن استخدام غاز السارين في سوريا تعتبر ضخمة، إلا أنها لا تشكل «ضربة مضمونة (Slam dunk)». كلابر الذي يترأس مجتمعاً استخبارياً مصدوماً من فشله في ما يتعلق بالحرب على العراق، حرص على استخدام مصطلح slam dunk، وهو لم يطلق وعوداً كبيرة لأوباما، كما فعل سابقاً مدير وكالة الاستخبارات جورج تينيت الذي ضمن للرئيس الأسبق جورج بوش «ضربة مضمونة» في العراق.
من هنا، يقول غولدبرغ إنه «بينما كان البنتاغون وفريق أوباما الأمني يستعدان للحرب، كان الرئيس قد توصل إلى اعتقاد بأنه كان يمشي إلى فخ ــ يقوده إليه حلفاؤه وأعداؤه ــ». عندها، أخبر أوباما مساعديه بعدوله عن الضربة العسكرية.
الحلفاء غاضبون
القرار أغضب حلفاء كثيرين، ومنهم وليّ عهد أبوظبي محمد بن زايد، «الذي كان غاضباً من أوباما لتخلّيه عن الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك».
ابن زايد قال لزائريه الأميركيين إن «الولايات المتحدة يقودها رئيس غير جدير بالثقة». كذلك ملك الأردن عبدالله الثاني الذي كان مقتنعاً بفكرة أن أوباما يبتعد عن حلفائه التقليديين وينشئ تحالفاً جديداً مع إيران. وقال لأحد المقرّبين «أؤمن بقوة أميركا أكثر ممّا يفعل أوباما». السعوديون أيضاً غضبوا من العدول عن الضربة، حينها عاد الجبير وقال للمسؤولين في الرياض «إيران هي القوة الكبرى الجديدة في الشرق الأوسط، والولايات المتحدة هي القوة القديمة».
إلا أن طريقة الخروج التي لاحت أمام أوباما كانت خلال قمة العشرين التي عقدت في سانت بيترسبرغ، والتي عقدت بعد أسبوع على النقاش بشأن سوريا. يومها انفرد أوباما بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين جانباً، وقال له «إذا أجبرت الرئيس الأسد على التخلص من الأسلحة الكيميائية، فإن هذا الأمر يلغي الحاجة لقيامنا بعمل عسكري». خلال أسابيع، كان كيري يعمل مع نظيره الروسي سيرغي لافروف من أجل هندسة «إزالة» ترسانة الأسلحة الكيميائية السورية.
نتنياهو مخيّب
بعض أكبر خيبات أمله، وفق غولدبرغ، كان سببها بعض القادة في الشرق الأوسط أنفسهم. نتنياهو يدخل من ضمن هؤلاء، إذ إن أوباما كان «يعتقد أن نتنياهو يمكن أن يوصل إلى حل الدولتين». وفي «إحدى الزيارات التي قام بها نتنياهو لواشنطن، عام 2011 ، بدا كأنه يعطي أوباما محاضرة بشأن التهديدات التي تحيط بإسرائيل»، فكان ردّ أوباما وهو غاضب «أنا أجلس هنا في البيت الأبيض، لكني أفهم جيداً عمّا تتحدث، وما هي مشاكل الشرق الأوسط». ولكن من جهة أخرى، عبّر أوباما عن إعجابه بـ»صمود الإسرائيليين في وجه الإرهاب المتواصل».
هناك قادة آخرون كانوا «مصدر إحباط» بالنسبة إلى أوباما، ومنهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي كان ينظر إليه أوباما في البداية على أنه «قائد مسلم معتدل يمكن أن يكون جسراً بين الشرق والغرب»، ولكنه اليوم يعتبره «فاشلاً واستبدادياً، يرفض استخدام جيشه الضخم من أجل المساهمة في إعادة الاستقرار إلى سوريا». بناءً عليه، ينقل عنه غولدبرغ قوله بـ»أسلوب ساخر»، «كل ما أحتاجه في الشرق الأوسط هو عدد قليل من الاستبداديين الأذكياء».
التناقضات لدى أوباما كثيرة. ووفقاً لوزير الدفاع الأسبق ليون بانيتا، أوباما كان يطرح الكثير من الأسئلة، ومنها «لماذا على الولايات المتحدة أن تحافظ على التفوّق العسكري النوعي الإسرائيلي مقارنة بالحلفاء العرب؟». هو أيضاً «تساءل عن الدور الذي يلعبه حلفاء الولايات المتحدة العرب في دعم الإرهاب المعادي لأميركا».
كذلك، يشير الكاتب إلى أن أوباما «غاضب من العقيدة السياسية الخارجية التي تجبره على معاملة السعودية كحليف».
أوباما يرى، وفق غولدبرغ، أن «الحروب والفوضى في الشرق الأوسط لن تنتهي، إلا إذا تمكنت السعودية وإيران من التعايش معاً والتوصل إلى سبيل لتحقيق نوع من السلام».
كذلك، ألقى بقدر من اللوم في الأزمة الليبية على حلفائه الأوروبيين. وقال: «حين أرجع بالزمن وأسأل نفسي ما الخلل الذي حدث، تكون هناك مساحة للنقد، لأنني كانت لدي ثقة أكبر في ما كان سيفعله الأوروبيون في ما بعد، نظراً إلى قرب ليبيا».
وأضاف: «هناك دول فشلت في توفير الرخاء والفرص لشعوبها. هناك أيديولوجيا عنيفة ومتطرفة أو أيديولوجيات تنشر من خلال وسائل التواصل الاجتماعي... هناك دول فيها القليل جداً من العادات المدنية، وبالتالي حين تبدأ الأنظمة الشمولية بالتداعي، فإن المبادئ المنظمة الوحيدة الموجودة تكون الطائفية».
نقل التطرّف إلى إندونيسيا
في اجتماع لمنظمة «ايباك» مع رئيس الحكومة الأسترالية مالكولم تيرنبول، وصف أوباما كيف تحوّلت إندونيسيا، تدريجياً، من دولة مسلمة متسامحة إلى دولة أكثر تطرفاً وغير متسامحة. سأله تيرنبول «لماذا يحصل هذا الأمر؟»، فأجابه أوباما «لأن السعودية وغيرها من الدول الخليجية ترسل الأموال وعدداً كبيراً من الأئمة والمدرّسين (الإسلاميين) إلى البلد». وأضاف «في عام 1990، موّلت السعودية المدارس الوهابية بشكل كبير، وأقامت دورات لتدريس الرؤية المتطرفة للإسلام، والمفضّلة لدى العائلة المالكة». عندها سأله تيرنبول «أليس السعوديون أصدقاءكم؟»، فأجابه أوباما بأن «الأمر معقد».
جيفري غولدبرغ عقّب بالقول «في البيت الأبيض، يمكن سماع المسؤولين يقولون لزائريهم إن العدد الأكبر من مهاجمي 11 أيلول لم يكونوا إيرانيين». حتى إن أوباما نفسه يهاجم السعودية في الغرف المغلقة قائلاً إن «أيّ بلد يقمع نصف شعبه، لا يمكنه أن يتصرّف بشكل جيّد في العالم الحديث».
مراكز دراسات «محتلة عربياً»
تطرّق جيفري غولدبر، في المقابلة، أيضاً إلى نظرة مسؤولين في البيت الأبيض إلى مراكز الدراسات البارزة في واشنطن، حيث كانوا ينظرون إليها على «أنها تروّج لما يناسب مموّليها العرب والداعمين لإسرائيل».
وفي هذا الإطار، ينقل الصحافي الأميركي عن أحد هؤلاء حديثهم عن هذه المراكز على أنها «أراضٍ محتلة من العرب».
أما عن علاقته بحلفائه، فإن أوباما يرى أن جزءاً من مهمته هو دفع الدول الأخرى إلى اتخاذ إجراءات من أجل نفسها، بدلاً من انتظار الولايات المتحدة للقيادة. بالنسبة إليه، فإن «الدفاع عن النظام الليبرالي العالمي ضد الإرهاب الجهادي والمغامرة الروسية والتسلّط الصيني، يعتمد في جزء منه على استعداد الدول الأخرى لتقاسم الأعباء مع أميركا».
____________
كيف رسمت "الخطوط" الحمراء في سوريا.. وكيف سقطت؟
خلال أشهر يغادر الرئيس الأميركي باراك أوباما البيت الأبيض. قلة هم الرؤساء في تاريخ الولايات المتحدة الذين واجهوا اختبارات على مستوى السياسة الخارجية كتلك التي واجهها أوباما. سياسة سئل الأخير عن فهم المؤرخين لها فأجاب "أعتقد أنه يمكن اعتباري واقعياً لإدراكي أنه لا يمكننا في أي لحظة تخفيف كل البؤس الموجود في العالم.. يجب أن نختار أين يمكننا إحداث تأثير فعلي".
يروي غولدبرغ أن سمانثا باور كانت من أكثر المتحمسين بين مستشاري أوباما للتدخل في سوريا.
يروي غولدبرغ أن سمانثا باور كانت من أكثر المتحمسين بين مستشاري أوباما للتدخل في سوريا.
هكذا مهد جيفري غولدبرغ لما أسماه "عقيدة أوباما" في السياسة الخارجية التي كانت خلاصة سلسلة من اللقاءات التي جمعت الصحفي في مجلة "ذي اتلانتيك" مع أوباما في البيت الأبيض وعلى متن الطائرة الرئاسية الأولى، وخلال آخر زيارة للرئيس الأميركي إلى كوالالمبور في تشرين الثاني/ نوفمير الماضي. بالإضافة إلى مقابلات وخطابات سابقة له.
72 صفحة تناول فيها الكاتب أبرز الملفات والتحديات لسياسة أوباما الخارجية في مقدمها سقوط خطوطه الحمراء في سوريا من خلال رفض كل الدعوات الخارجية والداخلية للتدخل العسكري في سوريا، بالإضافة إلى ليبيا وما اعتبره "خطأ" حمل مسؤوليته لشركائه الأوروبيين وصولاً إلى الاتفاق النووي الإيراني وتطبيع العلاقات مع كوبا والعلاقة مع إسرائيل. تحت هذه العناوين يتحدث أوباما عن نظرته لبعض دول أوروبا والخليج ولرؤساء في العالم مثل الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
اللحظة التي قطع فيها أوباما العلاقة مع "قواعد اللعبة"
كان يعتقد أن الأسد سيرحل بالطريقة التي رحل بها مبارك" ينقل غولدبرغ عن مستشار أوباما السابق للشرق الأوسط دنيس روس، لكن مع تشبث الأسد بالسلطة، يقول الكاتب كانت مقاومة أوباما للتدخل المباشر في سوريا تكبر.
يروي غولدبرغ أن مندوبة الولايات المتحدة الأميركية الحالية لدى الأمم المتحدة سمانثا باور كانت من أكثر المتحمسين بين مستشاري أوباما للتدخل في سوريا، كما أنها طرحت باكراً تسليح المتمردين السوريين. تعتبر باور أحد مؤيدي عقيدة "مسؤولية الحماية" التي تقوم على أنه يجب عدم اعتبار التدخل خرقاً للسيادة حين يقوم بلد بذبح شعبه. حاولت صاحبة كتاب "مشكلة من الجحيم.. أميركا وعصر الإبادة" الذي صدر عام 2002 أن تقنع أوباما بإعلان تأييده لهذه العقيدة في خطابه خلال تسلمه جائزة نوبل للسلام عام 2009 لكنه رفض. إصرار باور كان يدفعها أحياناً إلى مناقشة أوباما حول الموضوع أمام مسؤولي مجلس الأمن القومي لدرجة لم يتمكن في إحدى المرات من إخفاء غضبه حيث بادرها بالقول "سمانثا يكفي.. لقد سبق أن قرأت كتابك".
ينقل الكاتب عن أوباما قوله "إن فكرة أنه كان يمكننا تغيير المعادلة على الأرض بطريقة نظيفة لا ترتب التزاماً على القوات العسكرية الأميركية لم تكن يوماً صحيحة".
يقول الكاتب إن أوباما بخلاف الليبراليين المؤيدين للتدخل، من المعجبين بالسياسة الخارجية الواقعية لجورج بوش الأب وتحديداً مستشار الأخير للأمن القومي برينت سكوكروفت. لم يكن ليقبل أن ينهي عهده كما فعل بوش الابن حيث كان يقول في مجالس خاصة "إن أول مهمة للرئيس الأميركي بعد مرحلة بوش هو عدم القيام بأمور غبية".
ممانعة أوباما التدخل الأميركي في سوريا أزعجت باور وآخرين في فريق الأمن القومي. هيلاري كلينتون كانت من المؤيدين لتوجيه رسالة إلى الأسد. بعد مغادرتها منصبها في وزارة الخارجية أثارت تصريحاتها بهذا الشأن غضب أوباما وفق ما ينقل عنه أحد مستشاريه الرئيسيين قائلاً "إن أوباما لم يفهم كيف يمكن لعدم القيام بأمور غبية أن يكون شعاراً مثيراً للجدل".
انطلاقاً من هنا يقول الكاتب إن الخط الأحمر الذي رسمه أوباما للأسد في صيف 2012 فاجأ حتى مستشاريه. لم تقتصر ردة الفعل على الأوساط داخل الإدارة الأميركية، عادل الجبير، الذي كان سفيراً للسعودية في واشنطن آنذاك، أبلغ أصدقاءه ومسؤوليه في الرياض أن الرئيس بات أخيراً مستعداً لقصف سوريا.
أصدر أوباما الأوامر للبنتاغون بتطوير لائحة الأهداف، فيما كانت خمس مدمرات أميركية ترابط في البحر المتوسط مستعدة لقصف أهداف للنظام. الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند كان أكثر المتحمسين لكن المستشارة الألمانية انغيلا ميركل، التي يقول الكاتب إنها من قادة الدول القلائل الذين يكن أوباما لهم الاحترام، أبلغت الأخير أن بلادها لن تشارك في أي حملة عسكرية على سوريا.
ازدادت شكوك أوباما حول جدوى هذه الضربة ونتائجها. دعا كبير موظفي البيت الأبيض دنيس ماكدونو إلى مرافقته للمشي في الحديقة الجنوبية. وفق الكاتب اختيار أوباما لماكدونو لم يكن اعتباطياً حيث يعتبر أكثر مساعديه رفضاً للتدخل العسكري الأميركي. على ما يبدو كان أوباما يبحث عمن يصادق على تراجعه عن هذا الخيار ويقترح عليه كيفية تبرير ذلك سواء لمساعديه أو للرأي العام. أمضى أوباما وماكدونو ساعة في الحديقة أخبر الرئيس الأميركي فيها مساعده كيف أنه تعب من رؤية واشنطن تنحرف دون تفكير باتجاه الحرب في البلدان المسلمة. وحين عاد الرجلان إلى المكتب البيضاوي أبلغ الرئيس مساعديه للأمن القومي أنه قرر التنازل. لن يكون هناك ضربة في اليوم التالي.
هذا التراجع جعل الكثيرين يقولون إن الضرر الذي أصاب المصداقية الأميركية في منطقة يمكن أن ينسحب على مناطق أخرى. لكن وجهة نظر أوباما كانت تقوم على التالي "حفاظنا على المصداقية قادنا إلى فيتنام". داخل البيت الأبيض كان يدافع عن قراره بالقول "إن إسقاط قنابل على أحد لمجرد إظهار قدرتك على القيام بذلك هو أسوأ قرار في استخدام القوة".
من جهة ثانية كان يدرك أوباما ان هذا القرار سيثير غضب حلفاء أميركا وهو ما حصل. ينقل الكاتب عن رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فاليس قوله "إن حكومته قلقه من تداعيات هذا التنازل". ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد آل نهيان الذي كان غاضباً من أوباما لتخليه عن مبارك، أعرب أمام زواره الأميركيين عن غضبه قائلاً إن الولايات المتحدة يقودها رئيس "غير موثوق به". ملك الأردن عبدالله الثاني اشتكى سراً بأنه يؤمن بـ"قدرة الولايات المتحدة أكثر مما يفعل أوباما". السعوديون بدورهم كانوا منزعجين. يقول غولدبرغ إنهم لم يثقوا بأوباما يوماً حتى قبل وصوله إلى البيت الأبيض، مشيراً إلى أن الجبير أبلغ مسؤوليه في الرياض أن "إيران هي القوة العظمى الجديدة في الشرق الأوسط والولايات المتحدة هي القديمة".
يقول الكاتب إن أوباما يدرك أن هذا القرار سيخضع لاستجواب المؤرخين بدون رحمة لكن هذا القرار يشكل بالنسبة له اليوم مصدراً للارتياح العميق والشعور بالفخر. تلك كانت اللحظة التي قطع فيها أوباما العلاقة مع ما يسميه "قواعد اللعبة" التي حكمت سياسة واشنطن الخارجية.
______________
في مقال نشرته صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية، رد الفيصل على ما جاء في مقابلة الرئيس الأميركي باراك أوباما مع مجلة "ذي اتلانتيك". قال الفيصل: "الآن تنقلب علينا وتتهمنا بتأجيج الصراع الطائفي في سوريا واليمن والعراق"، مذكراً أوباما بأن السعودية هي دربّت ودعمت المقاتلين في سورية، وهي من قادت الحرب في اليمن، وأسقطت الاخوان المسلمين في مصر، والأهم أنها هي من تدعم الاقتصاد الأميركي، مذكراَ الرئيس الأميركي بأن المملكة هي صديقة بلاده منذ 80 عاماً!
مقال الفيصل المنشور على صحيفة "الشرق الأوسط":
تركي الفيصل: لا.. يا سيد أوباما
نحن لسنا من يمتطي ظهور الآخرين لنبلغ مقاصدنا. نحن من شاركناك معلوماتنا التي منعت هجمات إرهابية قاتلة على أميركا. نحن المبادرون إلى عقد الاجتماعات التي أدت إلى تكوين التحالف، الذي يقاتل فاحش (داعش). ونحن من ندرب وندعم السوريين الأحرار، الذين يقاتلون الإرهابي الأكبر، بشار الأسد، والإرهابيين الآخرين: النصرة وفاحش. نحن من قدّم جنودنا لكي يكون التحالف أكثر فعالية في إبادة الإرهابيين. ونحن من بادر إلى تقديم الدعم العسكري والسياسي والإنساني للشعب اليمني، ليسترد بلاده من براثن ميليشيا الحوثيين المجرمة؛ التي حاولت، بدعم من القيادة الإيرانية، احتلال اليمن، ومن دون أن نطلب قواتٍ أميركية. نحن الذين أسسنا تحالفًا ضم أكثر من ثلاثين دولة مسلمة، لمحاربة كافة أطياف الإرهاب في العالم. نحن أكبر متبرع للنشاطات الإنسانية التي ترعى اللاجئين السوريين واليمنيين والعراقيين. نحن من يحارب العقائد المتطرفة التي تسعى لاختطاف ديننا، وعلى كل الجبهات. نحن الممولون الوحيدون لمركز مكافحة الإرهاب في الأمم المتحدة، الذي يجمع القدرات المعلوماتية والسياسية والاقتصادية والبشرية من دول العالم. نحن من يشتري السندات الحكومية الأميركية ذات الفوائد المنخفضة التي تدعم بلادك. نحن من يبتعث آلاف الطلبة إلى جامعات بلادك، وبتكلفة عالية، لكي ينهلوا من العلم والمعرفة. نحن من يستضيف أكثر من ثلاثين ألف مواطن أميركي، وبأجور مرتفعة، لكي يعملوا بخبراتهم في شركاتنا وصناعاتنا.
إنّ وزيري خارجيتك ودفاعك شكرَا، علنًا، وفي مناسبات عدة، التعاون المشترك بين بلدينا. إنّ وزارة خزانتك امتدحت، عدة مرات، إجراءات المملكة في كبح أي تمويل يمكن أن يصل إلى الإرهابيين. لقد التقى بك ملكنا سلمان، في سبتمبر (أيلول) الماضي، وقبل أن تخرج تأكيداتك بأن الاتفاق النووي الذي عقدته مع القيادة الإيرانية سيمنعها من تطوير السلاح النووي إلى مدى الاتفاق. ولقد أكدت أنت: «دور المملكة القيادي في العالمين العربي والإسلامي». أنت وملكنا أكدتما على وجه الخصوص: «ضرورة مناهضة النشاطات الإيرانية التخريبية». والآن تنقلب علينا وتتهمنا بتأجيج الصراع الطائفي في سوريا واليمن والعراق. وتزيد الطين بلة بدعوتنا إلى أن نتشارك مع إيران في منطقتنا. إيران التي تصفها أنت بأنها راعية للإرهاب، والتي وعدت: «بمناهضة نشاطاتها التخريبية».
هل هذا نابعٌ من استيائك من دعم المملكة للشعب المصري، الذي هبّ ضد حكومة الإخوان المسلمين التي دعمتها أنت؟ أم هو نابع من ضربة مليكنا الراحل عبد الله، رحمه الله، على الطاولة في لقائكما الأخير، حيث قال لك: «لا خطوط حمراء منك، مرة أخرى، يا فخامة الرئيس». أم إنك انحرفت بالهوى إلى القيادة الإيرانية إلى حدّ أنك تساوي بين صداقة المملكة المستمرة لثمانين عامًا مع أميركا، وقيادة إيرانية مستمرة في وصف أميركا بأنها العدو الأكبر والشيطان الأكبر، والتي تُسلّح وتموّل وتؤيد الميليشيات الطائفية في العالمين العربي والإسلامي، والتي ما زالت تؤوي قيادات «القاعدة» حتى الآن، والتي تمنع انتخاب رئيس في لبنان من قِبَلِ «حزب الله» المصنف من حكومتك بأنه منظمة إرهابية، والتي تمعن في قتل الشعب السوري العربي؟
لا، يا سيد أوباما.
نحن لسنا من أشرت إليهم بأنهم يمتطون ظهور الآخرين لنيل مقاصدهم. نحن نقود في المقدمة ونقبل أخطاءنا ونصحّحها. وسنستمر في اعتبار الشعب الأميركي حليفنا، ولن ننسى عندما حَمِي الوطيس وقفة جورج هربرت ووكر بوش معنا، وإرساله الجنود الأميركيين ليشتركوا معنا في صدّ العدوان الصدامي على الكويت، حين وقفوا مع جنودنا كتفًا لكتف.
يا سيد أوباما، هذا نحن.
______________
في مقال نشرته صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية، رد الفيصل على ما جاء في مقابلة الرئيس الأميركي باراك أوباما مع مجلة "ذي اتلانتيك". قال الفيصل: "الآن تنقلب علينا وتتهمنا بتأجيج الصراع الطائفي في سوريا واليمن والعراق"، مذكراً أوباما بأن السعودية هي دربّت ودعمت المقاتلين في سورية، وهي من قادت الحرب في اليمن، وأسقطت الاخوان المسلمين في مصر، والأهم أنها هي من تدعم الاقتصاد الأميركي، مذكراَ الرئيس الأميركي بأن المملكة هي صديقة بلاده منذ 80 عاماً!
مقال الفيصل المنشور على صحيفة "الشرق الأوسط":
تركي الفيصل: لا.. يا سيد أوباما
نحن لسنا من يمتطي ظهور الآخرين لنبلغ مقاصدنا. نحن من شاركناك معلوماتنا التي منعت هجمات إرهابية قاتلة على أميركا. نحن المبادرون إلى عقد الاجتماعات التي أدت إلى تكوين التحالف، الذي يقاتل فاحش (داعش). ونحن من ندرب وندعم السوريين الأحرار، الذين يقاتلون الإرهابي الأكبر، بشار الأسد، والإرهابيين الآخرين: النصرة وفاحش. نحن من قدّم جنودنا لكي يكون التحالف أكثر فعالية في إبادة الإرهابيين. ونحن من بادر إلى تقديم الدعم العسكري والسياسي والإنساني للشعب اليمني، ليسترد بلاده من براثن ميليشيا الحوثيين المجرمة؛ التي حاولت، بدعم من القيادة الإيرانية، احتلال اليمن، ومن دون أن نطلب قواتٍ أميركية. نحن الذين أسسنا تحالفًا ضم أكثر من ثلاثين دولة مسلمة، لمحاربة كافة أطياف الإرهاب في العالم. نحن أكبر متبرع للنشاطات الإنسانية التي ترعى اللاجئين السوريين واليمنيين والعراقيين. نحن من يحارب العقائد المتطرفة التي تسعى لاختطاف ديننا، وعلى كل الجبهات. نحن الممولون الوحيدون لمركز مكافحة الإرهاب في الأمم المتحدة، الذي يجمع القدرات المعلوماتية والسياسية والاقتصادية والبشرية من دول العالم. نحن من يشتري السندات الحكومية الأميركية ذات الفوائد المنخفضة التي تدعم بلادك. نحن من يبتعث آلاف الطلبة إلى جامعات بلادك، وبتكلفة عالية، لكي ينهلوا من العلم والمعرفة. نحن من يستضيف أكثر من ثلاثين ألف مواطن أميركي، وبأجور مرتفعة، لكي يعملوا بخبراتهم في شركاتنا وصناعاتنا.
إنّ وزيري خارجيتك ودفاعك شكرَا، علنًا، وفي مناسبات عدة، التعاون المشترك بين بلدينا. إنّ وزارة خزانتك امتدحت، عدة مرات، إجراءات المملكة في كبح أي تمويل يمكن أن يصل إلى الإرهابيين. لقد التقى بك ملكنا سلمان، في سبتمبر (أيلول) الماضي، وقبل أن تخرج تأكيداتك بأن الاتفاق النووي الذي عقدته مع القيادة الإيرانية سيمنعها من تطوير السلاح النووي إلى مدى الاتفاق. ولقد أكدت أنت: «دور المملكة القيادي في العالمين العربي والإسلامي». أنت وملكنا أكدتما على وجه الخصوص: «ضرورة مناهضة النشاطات الإيرانية التخريبية». والآن تنقلب علينا وتتهمنا بتأجيج الصراع الطائفي في سوريا واليمن والعراق. وتزيد الطين بلة بدعوتنا إلى أن نتشارك مع إيران في منطقتنا. إيران التي تصفها أنت بأنها راعية للإرهاب، والتي وعدت: «بمناهضة نشاطاتها التخريبية».
هل هذا نابعٌ من استيائك من دعم المملكة للشعب المصري، الذي هبّ ضد حكومة الإخوان المسلمين التي دعمتها أنت؟ أم هو نابع من ضربة مليكنا الراحل عبد الله، رحمه الله، على الطاولة في لقائكما الأخير، حيث قال لك: «لا خطوط حمراء منك، مرة أخرى، يا فخامة الرئيس». أم إنك انحرفت بالهوى إلى القيادة الإيرانية إلى حدّ أنك تساوي بين صداقة المملكة المستمرة لثمانين عامًا مع أميركا، وقيادة إيرانية مستمرة في وصف أميركا بأنها العدو الأكبر والشيطان الأكبر، والتي تُسلّح وتموّل وتؤيد الميليشيات الطائفية في العالمين العربي والإسلامي، والتي ما زالت تؤوي قيادات «القاعدة» حتى الآن، والتي تمنع انتخاب رئيس في لبنان من قِبَلِ «حزب الله» المصنف من حكومتك بأنه منظمة إرهابية، والتي تمعن في قتل الشعب السوري العربي؟
لا، يا سيد أوباما.
نحن لسنا من أشرت إليهم بأنهم يمتطون ظهور الآخرين لنيل مقاصدهم. نحن نقود في المقدمة ونقبل أخطاءنا ونصحّحها. وسنستمر في اعتبار الشعب الأميركي حليفنا، ولن ننسى عندما حَمِي الوطيس وقفة جورج هربرت ووكر بوش معنا، وإرساله الجنود الأميركيين ليشتركوا معنا في صدّ العدوان الصدامي على الكويت، حين وقفوا مع جنودنا كتفًا لكتف.
يا سيد أوباما، هذا نحن.
ليست هناك تعليقات:
Write commentsشكرا