فليسقط الجدار!
بيار أبي صعب
في فيلم «جدار»، يقترح أحد الذين حاورتهم سيمون بيتون مقاربة مثيرة لجدار الفصل العنصري. «بنينا الجدار وفي ظنّنا أننا نعزل الشعب الفلسطيني، لكنّنا عزلنا أنفسنا في غيتو جديد». هذه النظريّة تنطبق على القرار الأخير لوزراء الاعلام في «دول مجلس التعاون الخليجي»: يريدون محاصرة الفضاء العربي الحرّ، فيعتقلون مجتمعاتهم في قمقم.
وزير الثقافة والإعلام السعودي عادل الطريفي، دعا أقرانه المجتمعين في الرياض، إلى «العمل المشترك على توحيد الخطاب الإعلامي للمجلس، على غرار سياسته الخارجية». إنّها محاولة طريفة لبناء ماكينة قمعيّة ضخمة، سترتد على بانيها عاجلاً أم آجلاً. هل هناك امكانيّة فعليّة لإقصاء كل صوت نقدي، ومنع شعوب كاملة من التطوّر؟ القرار الخليجي بـ «محاصرة حزب الله اعلاميّاً»، مفاعيله على أرض الواقع فولكلورية. لكن خطورته رمزيّة: الرجعيّات العربيّة تظنّ أن بوسعها، بهيمنتها الاقتصاديّة، أن تقول للعرب كيف يجب أن يفكّروا! أهلاً بكم في زمن التطهير الفكري.
رعاة «الربيع العربي»، يحلمون بإسكات كل الاصوات المغايرة بإسم «الاعتدال» و«العروبة». حرّاس الانحطاط رسموا الطريق الوحيد الممكن الى الحقيقة. ولن يتركوا لأي صحافي أو مثقف أو مبدع أو مناضل، أن يخاطبنا خارج منظومتهم الفكريّة. لن تمرّ أي تغريدة من الآن فصاعداً، تمجّد المقاومة مثلاً، أو تدين الاستبداد، أو ترفض العمالة للاستعمار. لكن سيبقى للمواطن الخليجي أصدقاء على الشاشة، مثل الداعية الصهيوني أفيخاي أدرعي، يهنّئونه بعيد الفطر، ويحاضرون عن العروبة وفلسطين! وما الجديد في ذلك؟ رفاق الشيخ الشهيد نمر النمر ممنوعون أصلاً من كل الشاشات. لكنّهم حاضرون بقوّة في ضميرنا، وفي قلب أهل الجزيرة من دون تمييزات مذهبيّة خسيسة. ألا تقوم مملكة القهر أساساً على المنع والتحريم، وإلغاء الآخر المختلف؟ ومع ذلك تشتغل نخبها العقلانيّة في الظل، من ليبرالية وقوميّة وتقدميّة، على بناء المستقبل.
بيار أبي صعب
في فيلم «جدار»، يقترح أحد الذين حاورتهم سيمون بيتون مقاربة مثيرة لجدار الفصل العنصري. «بنينا الجدار وفي ظنّنا أننا نعزل الشعب الفلسطيني، لكنّنا عزلنا أنفسنا في غيتو جديد». هذه النظريّة تنطبق على القرار الأخير لوزراء الاعلام في «دول مجلس التعاون الخليجي»: يريدون محاصرة الفضاء العربي الحرّ، فيعتقلون مجتمعاتهم في قمقم.
وزير الثقافة والإعلام السعودي عادل الطريفي، دعا أقرانه المجتمعين في الرياض، إلى «العمل المشترك على توحيد الخطاب الإعلامي للمجلس، على غرار سياسته الخارجية». إنّها محاولة طريفة لبناء ماكينة قمعيّة ضخمة، سترتد على بانيها عاجلاً أم آجلاً. هل هناك امكانيّة فعليّة لإقصاء كل صوت نقدي، ومنع شعوب كاملة من التطوّر؟ القرار الخليجي بـ «محاصرة حزب الله اعلاميّاً»، مفاعيله على أرض الواقع فولكلورية. لكن خطورته رمزيّة: الرجعيّات العربيّة تظنّ أن بوسعها، بهيمنتها الاقتصاديّة، أن تقول للعرب كيف يجب أن يفكّروا! أهلاً بكم في زمن التطهير الفكري.
رعاة «الربيع العربي»، يحلمون بإسكات كل الاصوات المغايرة بإسم «الاعتدال» و«العروبة». حرّاس الانحطاط رسموا الطريق الوحيد الممكن الى الحقيقة. ولن يتركوا لأي صحافي أو مثقف أو مبدع أو مناضل، أن يخاطبنا خارج منظومتهم الفكريّة. لن تمرّ أي تغريدة من الآن فصاعداً، تمجّد المقاومة مثلاً، أو تدين الاستبداد، أو ترفض العمالة للاستعمار. لكن سيبقى للمواطن الخليجي أصدقاء على الشاشة، مثل الداعية الصهيوني أفيخاي أدرعي، يهنّئونه بعيد الفطر، ويحاضرون عن العروبة وفلسطين! وما الجديد في ذلك؟ رفاق الشيخ الشهيد نمر النمر ممنوعون أصلاً من كل الشاشات. لكنّهم حاضرون بقوّة في ضميرنا، وفي قلب أهل الجزيرة من دون تمييزات مذهبيّة خسيسة. ألا تقوم مملكة القهر أساساً على المنع والتحريم، وإلغاء الآخر المختلف؟ ومع ذلك تشتغل نخبها العقلانيّة في الظل، من ليبرالية وقوميّة وتقدميّة، على بناء المستقبل.
يظن آل سعود، بهذا الجدار الاعلامي الذي يحاولون تشييده، أنّهم يعزلون «العدوّ». وهم مقتنعون بأنّهم سيتمكنون من إقصاء كل المنابر والمحطات والمواقع والتيارات التي لا تعجبهم. وبأنّهم سيسكتون الأصوات الحرّة التي تنتقد نظامهم الأوتوقراطي والتيوقراطي المتحصّن خلف أسوار الجاهليّة. لكنّهم في الحقيقة، لا يفعلون سوى عزل أنفسهم، وعزل شعبهم عن العصر والحضارة، ومنعه من التطوّر وتلقّي المعلومات والأفكار، فيما الحياة مستمرّة خارج السجن الكبير. كم من الوقت تمكن حماية النموذج الأوحد الذي ينتج تخلفاً وتعصباً وارهاباً؟ كم من الوقت سيصمد الاقتصاد الريعي غير المنتج؟ كم من الوقت ستهيمن الأيديولوجيا التكفيريّة التي أنجبت «القاعدة» و«داعش»، وتجرّ العرب إلى الحروب الأهليّة والتعصّب والفتنة والانغلاق الظلامي؟ الجدار الحديدي في الخليج، لن يسقطه إلا الفكر التنويري، والصحافة الحرّة، ونشر ثقافة النقد والاحتجاج والتغيير. وتلك هي الرسالة التي يضطلع بها الاعلام الممانع.
____________
وزراء اعلام الخليج: نسمع جعجعة، فهل نرى طحناً؟
نادين كنعان
الحرب السياسية الهستيرية التي تشنّها السعودية ومن خلفها دول «مجلس التعاون الخليجي» على «حزب الله»، اتخذت أمس منحى جديداً ومختلفاً. المعركة هذه المرّة إعلامية بامتياز. بعد اجتماعهم الـ 24 أوّل من أمس، خرج وزراء إعلام مجلس التعاون بمجموعة قرارات إضافية تقضي بمحاصرة الحزب اللبناني إعلامياً و«اتخاذ الإجراءات القانونية كافة لمنع التعامل مع أي قنوات محسوبة عليه وعلى قادته وفصائله».
وبحسب البيان الرسمي، تشمل الإجراءات «التنظيمات التابعة لحزب الله والمنبثقة عنه كافة، باعتباره ميليشيا إرهابية تسعى إلى إثارة الفتن والتحريض على الفوضى والعنف، ما يشكّل انتهاكاً صارخاً لسيادة وأمن واستقرار دول المجلس والعديد من الدول العربية». أما العقوبات، فتشمل «شركات الإنتاج والمنتجين وقطاع المحتوى الإعلامي وكل ما يندرج تحت مظلة الإعلام». حتى إنّ وزير الثقافة والإعلام السعودي عادل الطريفي تحدّث إلى الصحافيين على هامش الاجتماع عن «اتفاق خليجي لإعداد آلية لمكافحة أبواق تنظيمات «داعش» و«حزب الله» و«القاعدة» وغيرها، من خلال مكافحتها برامجياً وإنتاجياً، وعلى مستوى الظهور الإعلامي، فضلاً عن مواقع التواصل الاجتماعي»، وفق ما ذكر موقع صحيفة «الوطن» السعودية أمس. ولفت الموقع إلى أنّه جرى الحديث أيضاً عن «توحيد الخطاب الإعلامي، وإسكات أبواق حزب الله».
الصيغة المطاطة والمبهمة للقرار تطرح علامات استفهام عدّة حول طبيعته والمؤسسات المقصودة فيه: ماذا تعني عبارة منع التعامل؟ وكيف ستتم هذه العملية؟ وما هي القنوات المحسوبة على «حزب الله»؟ هل هي محصورة بالمؤسسات التابعة له مباشرةً، أم تشمل أيضاً تلك المندرجة ضمن خط الممانعة؟ وهل يمكن أن ينسحب ذلك على مختلف المؤسسات الإعلامية اللبنانية بهدف تسعير الحملة الداخلية المضادة للحزب وزيادة التململ الداخلي منه؟ هل سيؤثر الموضوع على عملية إنتاج البرامج والمسلسلات، والتعاون اللبناني ــ الخليجي؟ وماذا عن ضيوف البرامج؟ هذه الأسئلة تظهر إلى الواجهة بمجرّد التعمّق في مضمون القرار الجديد. فهل خرجت الأمور عن السيطرة فعلاً، أم أنّ المسألة لا تعدو كونها «زوبعة في فنجان» في إطار مواصلة الضغط السياسي على الحزب؟
في ظلّ التزام القنوات اللبنانية القريبة من خط «حزب الله» الصمت، يؤكد أحد الخبراء القانونيين، فضّل عدم الكشف عن اسمه، لـ«الأخبار» أن «لا مفاعيل قانونية لهذا القرار». ويرى أنّ ما حصل لا يتواءم مع معايير تعامل الدول، واضعاً إياه في سياق «الاستخدام السياسي الرخيص». يبدو أستاذ القانون الدولي شفيق المصري قريباً من هذا الرأي، وخصوصاً أنّ القرار المتخذ هو ضد «جهة لبنانية وليس ضد الدولة ككل». ويوضح في اتصال مع «الأخبار» أنّ مجلس الأمن الدولي أو أي هيئة دولية أخرى لم تصنّف «حزب الله» إرهابياً حتى الآن، ما يحول دون تطبيق دول مجلس التعاون الخليجي لقرارها الحديث استناداً إلى القانون الدولي لمكافحة الإرهاب.
من جهته، يشدد المدير العام لوزارة الإعلام حسّان فلحة على أنّ السؤال الأساسي الذي يجب طرحه اليوم: هل هناك تعريف واضح للإرهاب؟ يتشارك فلحة الرأي مع الخبير القانوني، مؤكداً أنّ القرار يندرج ضمن «القرارات السياسية»، وجازماً بأنّ «لبنان دولة ذات سيادة. «المنار» وغيرها من المؤسسات الإعلامية التابعة لـ«حزب الله» تعمل وفقاً للأنظمة والقوانين اللبنانية، وعليها أن تُحفظ وتُصان». ويتابع أنّه في حال حدوث أي خطأ، هناك «قوانين مرعية الإجراء تتم المحاسبة على أساسها وأمام القضاء اللبناني». وفيما يوضح فلحة «أنّنا ضنينون على العلاقة الممتازة مع الدول العربية»، يؤكد أنّ ذلك «لا يمنع المحافظة على المؤسسات الإعلامية اللبنانية».
لا تزال الصورة ضبابية بعد صدور القرار الخليجي الذي جاء بعد أشهر فقط على محاصرة «الميادين» و«المنار» (الأخبار 5/11/2015) على قمر «عربسات». الأيّام المقبلة ستكون كفيلة بإظهار مفاعيله المحتملة على الأرض. غير أنّ الأكيد أنّنا بتنا في حرب مفتوحة وحلقة جنون تستخدم فيها كلّ الأسلحة.
______________
بيار الضاهر: الآتي أعظم؟
زكية الديراني
لا يختلف اثنان على أنّ الإعلام اللبناني ليس في أفضل أحواله مع الأزمات التي تعصف به بسبب تراجع سوق الإعلانات والمناخ السياسي المتوتر. وجاء قرار دول «مجلس التعاون الخليجي» أخيراً ليزيد الضغط عليه، فقد أعلنت هذه الدول «منع التعامل مع أيّ قنوات تلفزيونية محسوبة على «حزب الله»»، وتسري هذه الإجراءات «على كل شركات الإنتاج والمنتجين وقطاع المحتوى الإعلامي».
البيان بدا فضفاضاً يحمل تأويلات عدّة. في هذا السياق، يتوقف رئيس مجلس إدارة lbci بيار الضاهر عند القرار، قائلاً لـ«الأخبار» إنّه «قرار متوقع، لكن لا يمكن التنبؤ بمقاصده فعلياً.
قبل أشهر، بدأت اللهجة الإعلامية لدول «مجلس التعاون الخليجي» تتبدّل، ولا أحد يعرف ما هي الخطوة الأخرى». ويوضح: «السؤال الذي يطرح نفسه حالياً: ما هي حيثيات القرار وتداعياته على الإعلام اللبناني بكل ميوله وانتماءاته؟ وهل سيطال الإعلام اللبناني بلا تمييز؟ هل سنعاقب مثلاً لو نقلنا وقائع جلسة الحوار اللبناني؟ مع القرارات التي اتُّخذت أخيراً بحجب قناتَي «الميادين» و«المنار» عن «عربسات» قبل أشهر، يتبين أنّ هناك حرباً إعلامية تتحضّر في الأفق وبدأت تأخذ منحى تصعيدياً».
_____________
هكذا ستتأثر شركات الإنتاج بالقرار
وسام كنعان
علاء رستم ـــ سوريا
المحتوى المطّاط الذي اتسم به بيان دول «مجلس التعاون الخليجي» أول من أمس يتيح وضع قوائم المنع بناء على مزاجه. ولو عدنا قليلاً إلى الوراء، لاكتشفنا أن خطوات مشابهة اتخذت ضد الدراما وشركات الإنتاج السورية منذ بدء «الثورة السورية» وظهور التصنيفات الموالية والمعارضة.
يومها، قررت محطات خليجية على نحو غير معلن مقاطعة الدراما السورية، وكل ما يصنع من برامج داخل المناطق التي يسيطر عليها النظام، لكن فترة زمنية بسيطة كانت كفيلة بتذويب هذا القرار وعودة تلك المحطات نحو أهدافها التجارية على وجه الخصوص، لنشاهد أعمالاً سورية تغزو الشاشات الخليجية ومن ثم دخلت كاميرا mbc للمرة الأولى مطاعم دمشق يوم نال السوري حازم شريف لقب برنامجها الشهير «أراب آيدول»، لتتوالى اللقاءات الخاصة في بعض برامجها الفنية. وربما المفاجأة الكبيرة حدثت يوم اشترى «التلفزيون العربي» (قطر) 22 مسلسلاً سورياً دفعة واحدة من شركة «سما الفن» (سورية الدولية) التي يملكها رجل الأعمال وعضو مجلس الشعب السوري محمد حمشو!
وفق هذا المنطق، لن يكون هناك تأثير فعلي على الأعمال الفنية التي تنتجها جهات يعدّها الخليج حليفة لـ «حزب الله». هذا ما يؤكده مدير تسويق كبرى شركات الإنتاج السورية في اتصالنا معه، مفضلاً عدم ذكر اسمه. وأوضح أنه قرأ القرار وأعاد دراسته مرّات عديدة وهو «لا يطاولنا وليس لنا أي علاقة مباشرة به، لأنه يتوجه إلى «حزب الله» ومؤسساته على نحو مباشر، ونحن كغيرنا من الشركات السورية نصنّف كشركة مدنية سورية لا تنتمي إلى أي جهة سياسية، ولو أننا ما زلنا نعمل في سوريا. وقد بدأنا عملية التسويق السنوية المعتادة، ونتواصل مع جميع المحطات العربية من دون فيتو مسبق».
في المقابل، تخبرنا إحدى المسؤولات عن تنفيذ برامج الترفيه للمحطات الخليجية في لبنان والشرق الأوسط مفضلة أيضاً عدم ذكر اسمها بأنّ «القرار سيؤثر على نحو مباشر في برامج المواهب وغيرها من ناحيتين: الأولى هي صعوبة التصوير في لبنان وعدم القدرة على استضافة مشتركين خليجيين هنا». وبسبب تبعات هذا القرار، تكشف محدّثتنا بأنّه «جرى نقل تصوير برنامج توك شو هو «أنا زهرة جونيور» الذي يصوّر لمصلحة قنوات «أبو ظبي» إلى دبي، بعدما كان مقرراً تصويره في لبنان بسبب مخاوف من استقدام المشتركات إلى لبنان. ومن الممكن التفكير في نقل تصوير بعض البرامج إلى مصر في حال عدم حلّ هذه المشكلة قريباً». أما الناحية الثانية التي يؤثر فيها القرار، «فستكون على برامج المواهب التي تستقدم مشتركين من مختلف أنحاء الوطن العربي ومن مختلف الانتماءات السياسية. وهذا سيؤثر في الحرية في اختيار المشتركين، وسيجعل البرامج تخسر شرائح معينة من جمهورها على نحو مسبق. لذا، قد نتباحث مع القنوات التي نعمل معها لكي تستنثى برامجنا من هذا القرار والعمل على تحييدها كلياً عن السياسة».
لا أحد يعرف إلى أين ستصل الأمور ولا شيء يبدو نهائياً. تشير كل المعطيات وآراء المتخصصين في إنتاج البرامج والمسلسلات في لبنان وسوريا على أن الأمور ستحسم كلياً في شهر نيسان (أبريل) المقبل، على اعتبار أن القرارات النهائية المتعلقة بإنتاج البرامج الفنية التي تعرض في رمضان تتخذ في هذا الشهر. وحينها سيتّضح المشهد: إما مقاطعة إعلامية نهائية بين لبنان وسوريا من جهة، والخليج من جهة ثانية، ما سيكون ذا نتائج سلبية على الجميع أو تهدئة ودبلوماسية تحقن مصالح متعلقة بصناعة الميديا والترفيه والدراما.
_____________
تونس: حساسية قديمة ضد الوهابية
نور الدين بالطيب
تونس | على أثير إذاعة «ماد» التونسية أمس، رحّب سفيان بن فرحات، كبير المعلّقين في الإذاعة ورئيس تحرير أعرق صحيفة تونسية مملوكة للدولة وناطقة بالفرنسية «لا براس» (بتهكم)، بقرار مجلس التعاون الخليجي القاضي بمقاطعة ما سمّاه «الأذرع الإعلامية» لـ«حزب الله».
ترحيب بن فرحات بهذا القرار يعكس رأياً عاماً في تونس مناصراً للحزب باعتباره حزب مقاومة للكيان الصهيوني. ويأتي ذلك بعدما رفضت تونس والجزائر الموافقة على قرار مجلس وزراء الداخلية العرب، باعتبار حزب الله اللبناني «منظمة إرهابية».
هذا الرأي العام لا يتعلق بتونس والجزائر فقط، بل بمجمل المغرب العربي الذي يحمل حساسية قديمة ضد الوهابية التي قاومها المغاربة منذ القرن التاسع عشر، عندما ردّ شيوخ جامع الزيتونة، المعروف بـ«الجامع الأعظم»، ورفضوا دعوة الوهابيين بنشر مذهبهم في المغرب العربي عبر المجموعات السلفية التي تموّلها بعض الدول الخليجية.
قرار مجلس التعاون الخليجي لن يكون ذا تأثيرات كبيرة على الأرض، فمعظم الإذاعات والفضائيات التونسية لا علاقة لها بدول الخليج، ولا تحصل على أي مساحة إعلانية منها، وكذلك الصحف التي تحصل على مساحات إعلانية محدودة لا تمثّل إلاّ نسبة صغيرة من مواردها المالية. وقياساً بالمزاج الشعبي في منطقة شمالي المغرب العربي، فإنّ كل وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية لا يمكنها التضحية بمتابعيها الذين يرفضون مزاجياً ووجدانياً الاصطفاف وراء دول الخليج من أجل حفنة من الدولارات.
قرار مجلس التعاون استقبله الاعلاميون التونسيون بتهكّم، وهذا ليس غريباً على منطقة المغرب العربي التي ساندت القضايا القومية وقدّمت آلاف الشهداء منذ الأربعينيات دفاعاً عن فلسطين. ولعل وسائل الإعلام الوحيدة التي تصطف وراء الإسلام السياسي الوهابي وتدافع عنه هي المحطات الإذاعية والتلفزيونية والصحف التي تساند حركة «النهضة» وتدافع عن تحالفاتها.
____________
هكذا تدحرج الغضب السعودي من واشنطن إلى بيروت
المملكة العربية السعودية.. إلى أين؟
يفرض السؤال نفسه، وبشكل موضوعي، بعدما وصلت السعودية في مغامرتها الإقليمية، وغضبها على لبنان، إلى مدى بعيد، يهدد بتداعيات على المملكة وحلفائها قبل خصومها.
وإذا كان الهدف السعودي من الهجوم المضاد الذي تشنه على جبهات المنطقة إضعاف النفوذ الإيراني وتقليص دور حليفه الاستراتيجي المتمثل في «حزب الله»، فإن الأكيد هو أن من شأن العقوبات السعودية العشوائية والاعتباطية بحق لبنان أن تعطي مفعولاً عكسياً، إذ إن الفراغ الذي تتركه المملكة في معرض «انسحابها الهجومي» من المواقع التقليدية في لبنان سيسمح لطهران والحزب بمزيد من الأريحية والأرجحية على الساحة اللبنانية.
وقد واصلت السعودية قيادة حملة الضغط على لبنان و«حزب الله»، خلال اجتماع الدورة الـ 138 لوزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي في الرياض، بمشاركة وزير الخارجية الأردني ناصر جودة، ونائب عن وزير خارجية المملكة المغربية، وبرئاسة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير.
أكد الوزراء في الاجتماع القرار الصادر عن الدورة (33) لمجلس وزراء الداخلية العرب في تونس، والذي اعتبر «حزب الله» إرهابياً، «لما يقوم به من أعمال خطرة لزعزعة الأمن والسلم الاجتماعي في بعض الدول العربية».
وأشاد الوزراء بجهود الأجهزة الأمنية في مملكة البحرين «التي تمكنت من إحباط مخطط إرهابي (كانون الثاني 2016) وإلقاء القبض على أعضاء التنظيم الإرهابي الموكل إليه تنفيذ هذا المخطط، والمدعوم من قبل الحرس الثوري الإيراني وحزب الله الإرهابي».
وأكد وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة وجود إجماع خليجي على «تحديد ماهية الآليات الخاصة بوقف تمدد الهيمنة الإيرانية، عبر أذرعها في المنطقة ودول مجلس التعاون، والمتمثلة بميليشيات حزب الله اللبناني، والحوثيين، وميليشيات الحشد الشعبي».
وأشار الجبير الى أن إطلاق الوزير السابق ميشال سماحة من قبل محكمة عسكرية ليس مؤشراً إيجابياً على استقلال الجيش عن نفوذ «حزب الله»، «ولذا تم اتخاذ القرار بوقف المنح إلى الجيش والأمن اللبنانييْن وتحويلها إلى الجيش والأمن في السعودية».
واعتبر الجبير أن لبنان يُحكم الآن من قبل «حزب الله»، مضيفاً أن «المزعج في موضوع لبنان أن ميليشيا مصنفة كمنظمة إرهابية صارت تسيطر على القرار في لبنان».
ورداً على سؤال حول العقوبات ضد «حزب الله»، قال الجبير إن وزراء خارجية مجلس التعاون قرروا (أمس) أنهم سينظرون «في الإجراءات التي يجب أن نتخذها بغية التصدي لحزب الله ووضع حد لقدراته على الاستفادة من التعامل مع أي من دول مجلس التعاون».
الانزعاج الأميركي
وفيما تصر المملكة على المضي في قرار إلغاء الهبة المخصصة للجيش اللبناني، لم تُخفِ واشنطن انزعاجها الصريح من الموقف السعودي حيال الجيش الذي تراهن عليه الولايات المتحدة لإقامة توازن نسبي مع «حزب الله»، على المدى الطويل، وهذا ما عبّر عنه المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية عند ما قال أمس الأول إن المساعدة للقوات اللبنانية المسلحة وغيرها من المؤسسات الشرعية «أساسية للمساعدة في تحجيم حزب الله ورعاته الأجانب»، مؤكداً أن المساعدات الأميركية للجيش اللبناني ستستمر «ولا نريد ترك الساحة خالية لحزب الله أو رعاته».
وكان الوفد النيابي اللبناني الذي زار واشنطن مؤخراً قد تبلغ من المسؤولين الأميركيين إصراراً على دعم الجيش، وسمع الوفد في وزارتي الخارجية والدفاع ومجلس الأمن القومي تأكيداً بإن الإدارة الأميركية ستتواصل مع الرياض لمناقشتها في قرارها والتعبير عن الامتعاض منه.
يشعر الأميركيون والأوروبيون أن المملكة تكاد تهدد بتصرفاتها، التي لا تخلو أحياناً من بعض المراهقة أو الانفعال، مصالحهم الاستراتيجية، وهو الأمر الذي عكسته صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية التي نقلت عن مسؤولين عرب قولهم إن إدارة الرئيس باراك أوباما تضغط على السعودية حتى لا تقوم بخطوات إضافية لمعاقبة لبنان اقتصادياً انتقاماً من الدور السياسي المتصاعد لـ «حزب الله» المدعوم من إيران.
واعتبرت الصحيفة أن الخلاف بشأن لبنان يمثل أحدث انقسام في السياسة الخارجية يظهر بين واشنطن والرياض الحليفين منذ عقود، خصوصاً في ما يتعلق بالدور الإقليمي الذي تلعبه إيران ووكلاؤها.
وكشفت عن أن دبلوماسيين أميركيين رفيعي المستوى ومن بينهم وزير الخارجية جون كيري حذروا سراً السعودية ودول خليجية أخرى من أنهم يبالغون في رد الفعل ويخاطرون بزعزعة استقرار اقتصاد لبنان.
ووفقاً لمسؤول أميركي مطلع على الاتصالات مع السعودية فإن الولايات المتحدة تعتقد أن الإجراءات متهورة وتخاطر بقيادة لبنان بشكل أكبر إلى أيدي إيران، مضيفاً أن رد الفعل يبدو مبالغاً فيه بشكل كبير. وتابع: أنا أتفهم الغضب السعودي.. عندما يفشل أحد ما فإنه يغضب، وأقلّ ما يمكنه فعله هو الغضب.
وأشارت الصحيفة الى أن الحكومة الفرنسية بقيادة الرئيس فرانسوا هولاند أثارت هي الأخرى المخاوف بشأن لبنان في الاجتماعات الأخيرة مع الحكومة السعودية، وذلك وفقاً لمسؤولين أميركيين وعرب.
الحسابات السعودية
ويقول العارفون بالمزاج السعودي في معرض محاولة فهم سلوك المملكة إن الرياض تشعر بخطر وجودي، أو أقله استراتيجي، آتٍ من اليمن الواقعة على حدودها مباشرة، حيث لا تحتمل الرياض أي خسارة لأنها ستصيب «رأس المال»، في حين أن إيران تلعب «خارج أرضها» وإذا أصيبت بانتكاسة في اليمن فإنها تستطيع تحملها أو تعويضها.
وعندما اجتاح صدام حسين الكويت، سُئل أحد أمراء السعودية عن خيارات الرياض إذا قرر الرئيس العراقي حينها التمدد في اتجاهها وعمن سيحمي المملكة في مثل هذه الحالة، فأجاب الأمير: نستأجر البيض (الاميركيون) ليدافعوا عنها.
لكن المشكلة التي واجهت الرياض، ولا تزال، في عهد إدارة الرئيس باراك أوباما، أن الإدارة الأميركية عدلت استراتيجيتها وغيّرت وجهة سيرها، بحيث لم تعد مستعدة لإرسال جيوشها الى الخارج للقتال، دفاعاً عن المملكة او غيرها، خصوصاً أن مرتبة النفط الخليجي تراجعت في أولويات واشنطن التي أصبحت تملك مخزوناً استراتيجياً منه.
وفي المقابل، تآكلت سطوة السعودية في العالم النفطي بعدما تناقص إنتاج «أوبيك»، فيما تحولت روسيا وأميركا الى لاعبيْن أساسييْن في السوق البترولية.
ولعله يمكن اختصار الفارق بين المقاربتين الأميركيتين، السابقة والحالية، للعلاقة مع السعودية بمعادلة منسوبة لأحد المسؤولين الأميركيين وفحواها: لقد تحملنا في السابق القليل من الوهابية من أجل الكثير من النفط. لن نتحمل الآن الكثير من الوهابية من أجل القليل من النفط.
ومع هبوب الرياح الباردة على التحالف الغربي - السعودي، وتيقن المملكة، بعد الاتفاق النووي مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، أن الغرب تبدل وأن بطاقة التأمين الأميركية انتهت صلاحيتها.. تضاعف القلق لدى الرياض من دون أن تنجح محاولات طمأنتها، فكان لا بد لها من البحث عن بدائل، تبدأ بالاتكال على الذات كما حصل في اليمن ولا تنتهي بالانفتاح على إسرائيل.
أما لبنانياً، فإن المملكة اصطدمت أيضاً بحقائق مريرة، بعدما اكتشفت، في لحظة الحقيقة، أن كل الاستثمارالسياسي والمالي ذهب هباءً، وأن حلفاءها ليسوا قادرين على صناعة التوازن المطلوب مع «حزب الله»، بل إنهم يضطرون في كل مرة إلى إبرام تسوية معه ربطاً بموازين القوى من جهة، وبتوازنات التركيبة اللبنانية الدقيقة من جهة أخرى.
في الأساس، كان جزء من النفوذ السعودي في لبنان يمر بـ «طريقة توافقية» عبر القناة السورية، خلال مرحلة التعاون والتنسيق بين الدولتين والتي قادت في حينه الملك عبدالله والرئيس بشار الأسد لزيارة قصر بعبدا معاً.
كان السعوديون يفترضون أنه بالإمكان من خلال العلاقة مع دمشق تشذيب دور «حزب الله» وتكييفه مع متطلبات مصالحهم. لكن، وعند حصول التحولات الدراماتيكية في المنطقة والانقلاب في النظرة الى النظام السوري الذي أصبح عدواً من الدرجة الأولى، اعتقدت الرياض أن بالإمكان المحافظة على نفوذها في لبنان من خلال قناة وسيطة أخرى تتمثل في الأميركيين، قبل أن تسوء العلاقة معهم أيضاً، ليصبح لبنان مركز توازن وتعايش بين واشنطن وطهران اللتين تقاطعتا عند الحاجة الى محاربة الإرهاب، وحماية الحد الأدنى القائم من الاستقرار اللبناني.
الى ذلك، التقى الرئيس تمام سلام أمس سفراء دول مجلس التعاون الخليجي في لبنان، فيما وصفت مصادر السرايا الاجتماع بالإيجابي جداً.
وأكد السفير الكويتي عبد العال القناعي باسم الوفد حرص دول الخليج قاطبة على لبنان دولة وأمناً واستقراراً ومؤسسات، وعلى الاستمرار في تعزيز هذه العلاقة، «وقد لمسنا من الرئيس سلام الحرص الأكيد على أطيب العلاقات مع دول الخليج وإزالة أي شوائب قد تعيق تقدمها، وحمّلنا رسالة واضحة الى دولنا سننقلها بكل أمانة وصدق».
تونس | على أثير إذاعة «ماد» التونسية أمس، رحّب سفيان بن فرحات، كبير المعلّقين في الإذاعة ورئيس تحرير أعرق صحيفة تونسية مملوكة للدولة وناطقة بالفرنسية «لا براس» (بتهكم)، بقرار مجلس التعاون الخليجي القاضي بمقاطعة ما سمّاه «الأذرع الإعلامية» لـ«حزب الله».
ترحيب بن فرحات بهذا القرار يعكس رأياً عاماً في تونس مناصراً للحزب باعتباره حزب مقاومة للكيان الصهيوني. ويأتي ذلك بعدما رفضت تونس والجزائر الموافقة على قرار مجلس وزراء الداخلية العرب، باعتبار حزب الله اللبناني «منظمة إرهابية».
هذا الرأي العام لا يتعلق بتونس والجزائر فقط، بل بمجمل المغرب العربي الذي يحمل حساسية قديمة ضد الوهابية التي قاومها المغاربة منذ القرن التاسع عشر، عندما ردّ شيوخ جامع الزيتونة، المعروف بـ«الجامع الأعظم»، ورفضوا دعوة الوهابيين بنشر مذهبهم في المغرب العربي عبر المجموعات السلفية التي تموّلها بعض الدول الخليجية.
قرار مجلس التعاون الخليجي لن يكون ذا تأثيرات كبيرة على الأرض، فمعظم الإذاعات والفضائيات التونسية لا علاقة لها بدول الخليج، ولا تحصل على أي مساحة إعلانية منها، وكذلك الصحف التي تحصل على مساحات إعلانية محدودة لا تمثّل إلاّ نسبة صغيرة من مواردها المالية. وقياساً بالمزاج الشعبي في منطقة شمالي المغرب العربي، فإنّ كل وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية لا يمكنها التضحية بمتابعيها الذين يرفضون مزاجياً ووجدانياً الاصطفاف وراء دول الخليج من أجل حفنة من الدولارات.
قرار مجلس التعاون استقبله الاعلاميون التونسيون بتهكّم، وهذا ليس غريباً على منطقة المغرب العربي التي ساندت القضايا القومية وقدّمت آلاف الشهداء منذ الأربعينيات دفاعاً عن فلسطين. ولعل وسائل الإعلام الوحيدة التي تصطف وراء الإسلام السياسي الوهابي وتدافع عنه هي المحطات الإذاعية والتلفزيونية والصحف التي تساند حركة «النهضة» وتدافع عن تحالفاتها.
____________
هكذا تدحرج الغضب السعودي من واشنطن إلى بيروت
المملكة العربية السعودية.. إلى أين؟
يفرض السؤال نفسه، وبشكل موضوعي، بعدما وصلت السعودية في مغامرتها الإقليمية، وغضبها على لبنان، إلى مدى بعيد، يهدد بتداعيات على المملكة وحلفائها قبل خصومها.
وإذا كان الهدف السعودي من الهجوم المضاد الذي تشنه على جبهات المنطقة إضعاف النفوذ الإيراني وتقليص دور حليفه الاستراتيجي المتمثل في «حزب الله»، فإن الأكيد هو أن من شأن العقوبات السعودية العشوائية والاعتباطية بحق لبنان أن تعطي مفعولاً عكسياً، إذ إن الفراغ الذي تتركه المملكة في معرض «انسحابها الهجومي» من المواقع التقليدية في لبنان سيسمح لطهران والحزب بمزيد من الأريحية والأرجحية على الساحة اللبنانية.
وقد واصلت السعودية قيادة حملة الضغط على لبنان و«حزب الله»، خلال اجتماع الدورة الـ 138 لوزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي في الرياض، بمشاركة وزير الخارجية الأردني ناصر جودة، ونائب عن وزير خارجية المملكة المغربية، وبرئاسة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير.
أكد الوزراء في الاجتماع القرار الصادر عن الدورة (33) لمجلس وزراء الداخلية العرب في تونس، والذي اعتبر «حزب الله» إرهابياً، «لما يقوم به من أعمال خطرة لزعزعة الأمن والسلم الاجتماعي في بعض الدول العربية».
وأشاد الوزراء بجهود الأجهزة الأمنية في مملكة البحرين «التي تمكنت من إحباط مخطط إرهابي (كانون الثاني 2016) وإلقاء القبض على أعضاء التنظيم الإرهابي الموكل إليه تنفيذ هذا المخطط، والمدعوم من قبل الحرس الثوري الإيراني وحزب الله الإرهابي».
وأكد وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة وجود إجماع خليجي على «تحديد ماهية الآليات الخاصة بوقف تمدد الهيمنة الإيرانية، عبر أذرعها في المنطقة ودول مجلس التعاون، والمتمثلة بميليشيات حزب الله اللبناني، والحوثيين، وميليشيات الحشد الشعبي».
وأشار الجبير الى أن إطلاق الوزير السابق ميشال سماحة من قبل محكمة عسكرية ليس مؤشراً إيجابياً على استقلال الجيش عن نفوذ «حزب الله»، «ولذا تم اتخاذ القرار بوقف المنح إلى الجيش والأمن اللبنانييْن وتحويلها إلى الجيش والأمن في السعودية».
واعتبر الجبير أن لبنان يُحكم الآن من قبل «حزب الله»، مضيفاً أن «المزعج في موضوع لبنان أن ميليشيا مصنفة كمنظمة إرهابية صارت تسيطر على القرار في لبنان».
ورداً على سؤال حول العقوبات ضد «حزب الله»، قال الجبير إن وزراء خارجية مجلس التعاون قرروا (أمس) أنهم سينظرون «في الإجراءات التي يجب أن نتخذها بغية التصدي لحزب الله ووضع حد لقدراته على الاستفادة من التعامل مع أي من دول مجلس التعاون».
الانزعاج الأميركي
وفيما تصر المملكة على المضي في قرار إلغاء الهبة المخصصة للجيش اللبناني، لم تُخفِ واشنطن انزعاجها الصريح من الموقف السعودي حيال الجيش الذي تراهن عليه الولايات المتحدة لإقامة توازن نسبي مع «حزب الله»، على المدى الطويل، وهذا ما عبّر عنه المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية عند ما قال أمس الأول إن المساعدة للقوات اللبنانية المسلحة وغيرها من المؤسسات الشرعية «أساسية للمساعدة في تحجيم حزب الله ورعاته الأجانب»، مؤكداً أن المساعدات الأميركية للجيش اللبناني ستستمر «ولا نريد ترك الساحة خالية لحزب الله أو رعاته».
وكان الوفد النيابي اللبناني الذي زار واشنطن مؤخراً قد تبلغ من المسؤولين الأميركيين إصراراً على دعم الجيش، وسمع الوفد في وزارتي الخارجية والدفاع ومجلس الأمن القومي تأكيداً بإن الإدارة الأميركية ستتواصل مع الرياض لمناقشتها في قرارها والتعبير عن الامتعاض منه.
يشعر الأميركيون والأوروبيون أن المملكة تكاد تهدد بتصرفاتها، التي لا تخلو أحياناً من بعض المراهقة أو الانفعال، مصالحهم الاستراتيجية، وهو الأمر الذي عكسته صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية التي نقلت عن مسؤولين عرب قولهم إن إدارة الرئيس باراك أوباما تضغط على السعودية حتى لا تقوم بخطوات إضافية لمعاقبة لبنان اقتصادياً انتقاماً من الدور السياسي المتصاعد لـ «حزب الله» المدعوم من إيران.
واعتبرت الصحيفة أن الخلاف بشأن لبنان يمثل أحدث انقسام في السياسة الخارجية يظهر بين واشنطن والرياض الحليفين منذ عقود، خصوصاً في ما يتعلق بالدور الإقليمي الذي تلعبه إيران ووكلاؤها.
وكشفت عن أن دبلوماسيين أميركيين رفيعي المستوى ومن بينهم وزير الخارجية جون كيري حذروا سراً السعودية ودول خليجية أخرى من أنهم يبالغون في رد الفعل ويخاطرون بزعزعة استقرار اقتصاد لبنان.
ووفقاً لمسؤول أميركي مطلع على الاتصالات مع السعودية فإن الولايات المتحدة تعتقد أن الإجراءات متهورة وتخاطر بقيادة لبنان بشكل أكبر إلى أيدي إيران، مضيفاً أن رد الفعل يبدو مبالغاً فيه بشكل كبير. وتابع: أنا أتفهم الغضب السعودي.. عندما يفشل أحد ما فإنه يغضب، وأقلّ ما يمكنه فعله هو الغضب.
وأشارت الصحيفة الى أن الحكومة الفرنسية بقيادة الرئيس فرانسوا هولاند أثارت هي الأخرى المخاوف بشأن لبنان في الاجتماعات الأخيرة مع الحكومة السعودية، وذلك وفقاً لمسؤولين أميركيين وعرب.
الحسابات السعودية
ويقول العارفون بالمزاج السعودي في معرض محاولة فهم سلوك المملكة إن الرياض تشعر بخطر وجودي، أو أقله استراتيجي، آتٍ من اليمن الواقعة على حدودها مباشرة، حيث لا تحتمل الرياض أي خسارة لأنها ستصيب «رأس المال»، في حين أن إيران تلعب «خارج أرضها» وإذا أصيبت بانتكاسة في اليمن فإنها تستطيع تحملها أو تعويضها.
وعندما اجتاح صدام حسين الكويت، سُئل أحد أمراء السعودية عن خيارات الرياض إذا قرر الرئيس العراقي حينها التمدد في اتجاهها وعمن سيحمي المملكة في مثل هذه الحالة، فأجاب الأمير: نستأجر البيض (الاميركيون) ليدافعوا عنها.
لكن المشكلة التي واجهت الرياض، ولا تزال، في عهد إدارة الرئيس باراك أوباما، أن الإدارة الأميركية عدلت استراتيجيتها وغيّرت وجهة سيرها، بحيث لم تعد مستعدة لإرسال جيوشها الى الخارج للقتال، دفاعاً عن المملكة او غيرها، خصوصاً أن مرتبة النفط الخليجي تراجعت في أولويات واشنطن التي أصبحت تملك مخزوناً استراتيجياً منه.
وفي المقابل، تآكلت سطوة السعودية في العالم النفطي بعدما تناقص إنتاج «أوبيك»، فيما تحولت روسيا وأميركا الى لاعبيْن أساسييْن في السوق البترولية.
ولعله يمكن اختصار الفارق بين المقاربتين الأميركيتين، السابقة والحالية، للعلاقة مع السعودية بمعادلة منسوبة لأحد المسؤولين الأميركيين وفحواها: لقد تحملنا في السابق القليل من الوهابية من أجل الكثير من النفط. لن نتحمل الآن الكثير من الوهابية من أجل القليل من النفط.
ومع هبوب الرياح الباردة على التحالف الغربي - السعودي، وتيقن المملكة، بعد الاتفاق النووي مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، أن الغرب تبدل وأن بطاقة التأمين الأميركية انتهت صلاحيتها.. تضاعف القلق لدى الرياض من دون أن تنجح محاولات طمأنتها، فكان لا بد لها من البحث عن بدائل، تبدأ بالاتكال على الذات كما حصل في اليمن ولا تنتهي بالانفتاح على إسرائيل.
أما لبنانياً، فإن المملكة اصطدمت أيضاً بحقائق مريرة، بعدما اكتشفت، في لحظة الحقيقة، أن كل الاستثمارالسياسي والمالي ذهب هباءً، وأن حلفاءها ليسوا قادرين على صناعة التوازن المطلوب مع «حزب الله»، بل إنهم يضطرون في كل مرة إلى إبرام تسوية معه ربطاً بموازين القوى من جهة، وبتوازنات التركيبة اللبنانية الدقيقة من جهة أخرى.
في الأساس، كان جزء من النفوذ السعودي في لبنان يمر بـ «طريقة توافقية» عبر القناة السورية، خلال مرحلة التعاون والتنسيق بين الدولتين والتي قادت في حينه الملك عبدالله والرئيس بشار الأسد لزيارة قصر بعبدا معاً.
كان السعوديون يفترضون أنه بالإمكان من خلال العلاقة مع دمشق تشذيب دور «حزب الله» وتكييفه مع متطلبات مصالحهم. لكن، وعند حصول التحولات الدراماتيكية في المنطقة والانقلاب في النظرة الى النظام السوري الذي أصبح عدواً من الدرجة الأولى، اعتقدت الرياض أن بالإمكان المحافظة على نفوذها في لبنان من خلال قناة وسيطة أخرى تتمثل في الأميركيين، قبل أن تسوء العلاقة معهم أيضاً، ليصبح لبنان مركز توازن وتعايش بين واشنطن وطهران اللتين تقاطعتا عند الحاجة الى محاربة الإرهاب، وحماية الحد الأدنى القائم من الاستقرار اللبناني.
الى ذلك، التقى الرئيس تمام سلام أمس سفراء دول مجلس التعاون الخليجي في لبنان، فيما وصفت مصادر السرايا الاجتماع بالإيجابي جداً.
وأكد السفير الكويتي عبد العال القناعي باسم الوفد حرص دول الخليج قاطبة على لبنان دولة وأمناً واستقراراً ومؤسسات، وعلى الاستمرار في تعزيز هذه العلاقة، «وقد لمسنا من الرئيس سلام الحرص الأكيد على أطيب العلاقات مع دول الخليج وإزالة أي شوائب قد تعيق تقدمها، وحمّلنا رسالة واضحة الى دولنا سننقلها بكل أمانة وصدق».
ليست هناك تعليقات:
Write commentsشكرا