يوسف كوتي *
إذا كانت الازمة السورية بكل هذا التعقيد و كان الوضع السوري بكل هذه الصعوبة ، فما بالكم هل تمر المسائل بهذه السلاسة والسهولة في القسم الكردي من سوريا ، هذا القسم الذي يحمل في مضامينه وجنباته العديد من المسائل التاريخية و الاجتماعية المختلفة و لها من التشعبات الثانوية مايجعل تسويتها اكثر تعقيداً بكثير من حل مسألة النظام في دمشق و تغيير سلطة البعث بغيرها هناك .
من كان يصفق كالاحمق و يهلل كالسفيه و يرفع ما يأتيه من شعارات و نماذج جاهزة ظناً منه إنه متماهي مع الثورة و هكذا سيتمكن من حل الامور ، نقول له قد اخطأت يا عزيزي ، فالثورات لم تكن هكذا في تاريخها و لن تكون .
الاحوال المعاشة حالياً مع انحراف شديد لمسار الثورة و عقيدة الثوار ، و محاولة التبخيس من هدف الثورة السامي من خلال ألباس الناس الثوب الديني ( الاسلاموي) و تحديداً الطائفي السني الجهادي السلفي ، ثم حصر هدف الثورة بامور لاهوتية كأعلاء كلمة ( الله) عز وجل ،وغيرها من المطاليب التي لا علاقة لها بثورة الشعب السوري لا من قريب ولا من بعيد ، وهنا نستطيع القول إنه – رغم احترامنا الشديد لعقيدة غالبية الثوار الاسلامية – إلا إن هذا المعتقد او ذاك يصنف في النهاية كمطاليب فئوية لا يمكن أن تلبي طموحات كل السوريين علاوة على كونها تصغر مطاليب الناس المحقة المتمثلة باسقاط النظام الديكتاتوري الاسدي والبعثي الشمولي واستبداله بنظام ديمقراطي تعددي يحترم كل المكونات ويحفظ حقوقهم وخصائصهم ويجعل من المواطنة وسيلة لمساوات المواطنين قانونياً ويحقق المصالحة الوطنية وتقريب كل المكونات المختلفة في مجلس (برلمان) منتخب حر ينهي من معاناة الشعب الطويلة مع سنوات الظلام .
لزامٌ على الثوار الحقيقين في الجيش السوري الحر إذا كانوا فعلاً قد انشقوا عن النظام لمصلحة الشعب السوري أن يحددوا موقفهم وبوضوح و بمنتهى الصراحة من هذه المجاميع الدخيلة التي تعمل على تشويه صورة الجيش الحر والحراك الثوري على السواء ، كما وعلى المجلس الوطني السوري والائتلاف الوطني المعارض و هيئة التنسيق الوطنية نفس المهمة وإلا سيكون موقف الشعب الذي مايزال يؤيدهم احتراماً لدماء الشهداء و جهود ألاف النشطاء فيما مضى، نفس موقفهم من النظام الطاغية و لن يعتبرونهم بديلاً مهما فعلوا .
كردياً، كل الاطراف في الحركة السياسية الكردية عملت ما بوسعها ، فمنهم من لم يتحمل كثيراً واختار الملاجىء والمنافي خروجاً و منهم مَن توقف في منتصف الطريق واختار لبقائهِ سكوناً و منهم مايزال يحاول اللحاق بالثورة ومنهم من اختار ان يبقى في المقدمة حيث مكانه التاريخي لانه يأخذ العبر من ديالكتيك و تجارب وثورات الشرق العريقة و كانت فقط بحاجة لفترة من الوقت ، لتثبت وجهة نظرها ، و اسبابها في اختيار استراتيجية الحفاظ على الخصوصية القومية و التعامل بالندية ، مستفيدة من عِبَر التاريخ الذي لا يرحم ، هذه المرة بالارادة الكردية والشجاعة و التشبث من أجل البقاء و بكل معاني النزاهة الوطنية .
حركة المجتمع الديمقراطي ( TEV-DEM ) و معها احزاب كردية وطنية عريقة تبقى مشكورة بكل خطوة خطوتها خلال السنة و (11) شهراً الماضية من عمر الثورة الشعبية ، بفضل ما صنعوه من رأي عام كردي صحيح و ملتزم بالخصوصية القومية لشعبنا مترافقاُ مع التنظيم و بناء المؤسسات الديمقراطية اللازمة ( مجالس ، منظمات ، مؤسسات ….. إلخ) .
هذا العمل التاريخي بات اليوم الجواب الكافي والشافي لما يعيشه الوضع السوري عامة ، و بمقارنة بسيطة سنرى الفرق بين بديل المعارضة السورية و بديل الشعب الكردي ، أيهما هو الافضل؟ ايهما يعمل لمصلحة الشعب أكثر؟ ايهما يعطي فرصة اكبر للتعايش؟ ايهما اكثر خدمة للمواطنين؟ ايهما يصنع للشعب إرادته التي يختار من خلالها مايريد؟ ايهما يلبي طموحات المجتمع و يمأسسه على اساس ديمقراطي حر ؟
الجواب هنا لست انا و ليس غيري من يعطيه في هذا المقام ، لأن هكذا اسئلة و ببساطة يتم الاجابة عليها بشكل حقيقي من قبل الشعب وفي الشارع حيث حقيقة الجميع على المحك . لكننا في هذا المعرض يحق لنا الإدلاء برأينا الشخصي وهو إن بديل المعارضة يمكن توصيفه بمسارين الاول على الارض متمثلاً بالمجاميع المقاتلة والذي بات يظهر مؤخراً كبديل سلطوي شغوف بامتلاك القوة والامكانات وفرض نفسه و لونه الرمادي معتمداً في غالبيته على النهج الطائفي السني إن صح التعبير ، وباعتقادي هذا النهج هو مايثير مخاوف الغرب و خاصة البيت الابيض وإدارة الرئيس اوباما رغم حصوله على بعض التأييد من تركيا والخليجيين .
المعارضة السياسية وخاصة المجلس الوطني السوري ذو المنشأ الاسطنبولي هو الاخر حاله حال المعارضة المسلحة قد اصبح ضحية التلاعب والانحرافات والتدخلات الخارجية والاقليمية ، و لا يجب التعويل عليه كثيراً بعد الآن لانه تبنى رؤى فوقية بعيدة عن ملامسة الواقع الحقيقي للثورة و افتقاره لمشروع حقيقي يحدد ملامح سوريا المستقبل ، وفوقها افتقار قياداته للنزاهة والعفة المطلوبة ، خاصة بعد تسريب معلومات عن لهف السيد ( جورج صبرا) رئيس المجلس الوطني الحالي لمبلغ ( 200 ) ألف دولار من الهٍبات المقدمة للتنسيقيات المحلية المنضوية تحت قبة المجلس .
الائتلاف الوطني السوري المعارض المتشكل في الدوحة في 11/11/2012 . هو في الاساس نسخة مستحدثة عن المجلس الوطني السوري لكن الفارق هذه المرة هو مساعي بعض قياداته الجدد و على رأسهم السيد ( احمد معاذ الخطيب) الذي واخيراً ادرك خطورة الاستمرار في سياسات المجلس الوطني السابقة ، فأبدى الانفتاح السياسي المطلوب من خلال مبادرته المشروطة لفتح باب الحوار مع ممثلي النظام ثم التقائه بوزير الخارجة الايراني في المانيا و وزير الخارجة الروسي وحصوله على دعم كامل من الادارة الامريكية والرئيس اوباما ، فهو بذلك قد حصر النظام سياسياً . و بنفس الوقت قد قصر المسافات الفاصلة بينه وبين هيئة التنسيق الوطنية المعارضة إلى ادناها ، لأن الاخيرة وفي مؤتمرها المنعقد في دمشق 17/9/2012 ، تحت شعار اللاءات الثلاث كانت قد طرحت ما يطرحه الخطيب اليوم من مبادرات ، إلا إن عجز هيئة التنسيق و رغم اصحية طرحهُ و بسبب العديد من العوامل الداخلية والخارجية حال دون تحوله للبديل الديمقراطي المعتمد من قبل الثورة حتى الآن .
إذا ما حصل تقارب جدي بين الائتلاف الوطني وهيئة التنسيق بدون شك سيكون هذا لصالح الثورة والشعب السوري معاً . هذا التقارب لابد أن يؤسس لبناء جبهة ديمقراطية حقيقية ، من شأنها انقاذ الثورة السورية اولاً من السلفيين ثم القوميين العروبيين الشوفينيين ثم من الطفيلين و المتشنجين و البرجوازيين من خدم و عملاء القوى الخارجية المستفيدة من استمرار حالة الفوضى والصراع .
هيئة التنسيق الوطنية سبق لها و أن بينت في وثيقتها الصادرة في نيسان 2012 ، عن تبنيها لمشروع الادارة الذاتية الديمقراطية كتصور لحل القضية الكردية في سوريا بشكل خاص و دمقرطة سوريا بشكل عام . و عليه إذا استطاعت الهيئة ايصال تصورها و مشروعها في الحل للاخوة في الائتلاف الوطني ، هذا يعني إننا نقترب من تشكيل قوة معارضة ديمقراطية حقيقة على الارض و اقرب للواقع الثوري والاجتماعي المعاش .
من اجل التوصل لهذا الهدف ، لابد لاصحاب مشروع الادارة الذاتية الديمقراطية الحقيقين أن يلعبوا دورهم التاريخي المطلوب ، و ذلك بعدم الاكتفاء بالمجتمع الكردي لوحده ، على الكرد ان يعلموا إنهم الأن يشكلون النواة الديمقراطية لسوريا و بدونهم لا وجود للديمقراطية و لايمكن القول إن سوريا فيها تعددية . على حركة المجتمع الديمقراطي و الهيئة الكردية العليا مواصلة الليل بالنهار و التنسيق مع بقية القوى السورية على اوسع نطاق، فبنجاح مشروعنا في الحل سنتمكن من حل قضية شعبنا اولاً و سنقدم افضل خدمة لعموم الشعب السوري و عموم شعوب الشرق الاوسط .
*يوسف كوتي, اعلامي وناشط كردي سوري
ليست هناك تعليقات:
Write commentsشكرا