28 يونيو 2014

مملكة «داعش» الكارثة السعودية... السعودية الكارثة || البغدادي يقترب من تحقيق ثأره من الجولاني ... ماذا يعني اعلان «الخلافة»؟

    6/28/2014 05:44:00 م   No comments

مملكة «داعش» الكارثة السعودية... السعودية الكارثة
جان عزيز

مع انتفاضة «داعش» العنفية الدموية من شمال غرب العراق مروراً بسوريا وصولاً إلى قلب لبنان، تحركت الماكينة البروباغاندية السعودية لمعالجة الأضرار الجانبية التي يمكن للتنظيم التكفيري الإرهابي أن يكون قد ألحقها بصورة الدولة العائلية. خطة شاملة وممنهجة وضعت في الرياض، طالبة من ممثلياتها الدبلوماسية في العواصم المعنية، التحرك بسرعة وفاعلية.

الأهداف المعلنة هي إدانة ارتكابات «داعش» أولاً، تأكيد رفض مملكة العائلة السعودية لها ثانياً، العمل ثالثاً بكل الوسائل المتاحة على «تبييض» صورة العائلة ونظامها أياً كان الثمن. مع رصد إمكانات هائلة وضعت بتصرف حملة العلاقات العامة تلك، للتعاون مع صحافيين ووسائل إعلام وأقلام وصفحات ومواقع، وألسن وسياسيين وصانعي رأي عام... دفاعاً عن دولة العائلة.

وفي هذا السياق تشدد الحملة السعودية المضادة، على عدد من العناوين التسويقية لمعركتها الصعبة، خصوصاً في بيروت، وبالأخص بعد انكشاف التابعيات السعودية لعدد من المشتبه بارتكابهم الجرائم الداعشية الإرهابية. عنوان أول عام، هو أن مملكة العائلة تمثل إسلام الاعتدال في مواجهة إسلام الضلال الإرهابي. ثانياً، أن نظام العائلة نفسها كان قد صنف «داعش» تنظيماً إرهابياً منذ آذار الماضي. إضافة إلى سواها من التنظيمات، مثل «جبهة النصرة» و«الإخوان المسلمون» و«حزب الله السعودي» وغيرها. ثالث عناوين بروباغاندا العائلة السعودية، أنه من المرجح أن تكون خلايا الإرهاب الداعشي في بيروت تخطط لاستهداف مصالح العائلة السعودية نفسها، وعلى خلفية هذا التصنيف الإرهابي بالذات. مع تفصيل بليد مكمل لهذا العنوان، يحاول الإيحاء بأن «داعش» وأخواتها باتت متضررة جداً من قرار نظام العائلة المذكور. ذلك أنه حظر على أي سعودي تقديم أي دعم مالي لتلك الحركات. علماً أن هذه الحجة السمجة، تعتبر إدانة للعائلة أكثر مما هي إنجاز لسياساتها في مكافحة الإرهاب. وفي السياق نفسه، يأتي العنوان الأخير الذي تسعى الحملة الدعائية إلى تسويقه، وهو أن أي تحقيق لم يظهر مرة واحدة، منذ بدء الموجات التكفيرية والإرهابية، بأن أياً منها قد نال أي دعم مالي رسمي من العائلة السعودية كنظام دولة. مع ما يعني ذلك من إقرار بقنوات تمويل أخرى، ظلت تعتبر فردية وشخصية ومبادرات تلقائية لا علاقة لدولة العائلة بها.
اللافت في هذه الحملة، أنها تخاطب العقل الغربي، وخصوصاً الأميركي منه، في سطحيته وفي أحادية فكره السياسي. كأنما الفكر التكفيري والإرهابي هو مجرد عبوة، أو عبارة عن مادة «سي 4» وصاعق لا غير. وبالتالي كأنما الإرهاب التكفيري هو مختزل ومقتصر على حفنة البترو ـــ دولار التي اشترت المادة المتفجرة، أو دفعت ثمن الصاعق، أو أمنت بدل أتعاب الأصولي المفجر أو المتفجر. ولذلك نرى الأبحاث الغربية عموماً والأميركية تحديداً، تركز على الجانب التمويلي للإرهاب التكفيري لا غير. منذ 11 أيلول وإجراءات «باتريوت آكت»، وصولاً إلى كل تحقيقات وزارة الخزانة الأميركية، انتهاء بدراسات مراكز الأبحاث. فيما الحقيقة المركزية في مكان آخر.
 
وهي أن الإرهاب لا يبدأ في الذراع التي فجرت. بل في العقل الذي كفّر. وفي هذه النقطة الجوهرية بالذات تظهر المسؤولية الجرمية والجنائية، المعنوية والمادية الكاملة لنظام العائلة السعودية. من مصر إلى لبنان تتضح تلك الكارثة التي خلفتها ذهنية تلك المملكة وسلوكيتها. مصر ولبنان بالذات، لأنهما أبرز نموذجين لحداثة العالم العربي وحضارته وانفتاحه وثقافته وصحافته وتلاقحه مع العالم ومع العصر ومع رفاه الإنسان وحقوقه. فالقاهرة كانت ولا تزال وستظل رائدة العالم العربي وقاطرة فكره وسياسته وثقافته. ومن يشاهد فيلماً سينمائياً لمصر الخمسينات، يسأل نفسه أي كارثة حلت بهذا البلد في غضون نصف قرن، على صعيد حضارته وثقافته وفنونه وكل أنشطة العقل والحياة فيه. يروي الشاهد على كل حياة مصر، علاء الأسواني، أن تلك الكارثة بدأت بعد العام 1973. بعد الحرب وأزمة النفط واضطرار القاهرة إلى أموال الرياض، وسط بهلوانيات السادات ومنهجية النظام السعودي في اختراق الأفكار والعقول. دخل المال السعودي إلى مصر، ودخل معه العقل الوهابي إلى إسلام مصر. وبدأ الانهيار. بعدها جاءت الطامة الكبرى طبعاً، مع تنافس قطر والسعودية على سرعة العودة إلى الخلف وعلى تسارع التخلف. فصارت الكوارث العربية تتوالى بسرعة انقطاع الضوء.
في لبنان، العنوان نفسه، والانهيار نفسه. يروي الكاتب محمد أبي سمرا، في كتابه البحثي الموثق، «طرابلس ساحة الله وميناء الحداثة»، كيف أن النواة الأولى للأصولية هناك بدأت بدعم سعودي وتمويل سعودي وإيعاز ونموذج سعوديين. من جماعة «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» الوهابية السعودية، إلى «نواة الجيش الإسلامي» في لبنان، أول تسمية مذهبية عنفية دخلت تركيبة الشخصية اللبنانية، مثل فيروس معلوماتي لم يلبث أن شاع وشلع وشنع... حتى أن وزيراً طرابلسياً يروي طرفة أن أحد المتنورين الطرابلسيين ترشح قبل أعوام لانتخابات بلدية طرابلس. فجعل لبرنامجه الانتخابي عنواناً وحيداً: «أعدكم العمل على إعادة طرابلس نصف قرن إلى الوراء»!
مسؤولية نظام العائلة السعودية؟ ليست في التمويل ولا في جنسيات الإرهابيين ولا في إلغاء سمات الدخول ولا في الصراع المذهبي مع الشيعة ولا في التنافس الجيو استراتيجي مع إيران. مسؤولية نظام تلك العائلة هي أولاً وأخيراً في الفكر. هي في أن تكون دولة في الألفية الثالثة باسم عائلة، وأن يكون شعب رعية بلا هوية، وأن يكون الآخر ملغى، والعقل ملغى، والفن ملغى، والرب ملغى، والمرأة ملغاة... في الفكر والواقع، بالقوة وبالفعل. هنا تكمن الكارثة السعودية، التي لا بروباغاندا تنفع معها ولا دعاية تشفع في تسويقها.

______________
البغدادي يقترب من تحقيق ثأره من الجولاني 
محمد بلوط

أبو بكر البغدادي قريبا في عقر دار شقيقه اللدود أبو محمد الجولاني. فخلال الساعات الماضية وصلت طلائع تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش» إلى شمال الشحيل في ريف دير الزور الشرقي، معقل «أمير جبهة النصرة».
والشحيل ليست معقل الجولاني وحصنه الأخير فحسب، بل هي مسقط رأسه أيضا، وهو ما يجعل المعركة من اجلها بين الجولاني والبغدادي، أمّ المعارك بين أخوة «الجهاد»، إذ لم يعد كافيا وحده، تفسير المذابح الواسعة التي يرتكبها بحق مقاتلي «النصرة» و«مجلس شورى المجاهدين في المنطقة الشرقية» ـ «مشمش»، بحاجة «داعش» إلى دير الزور ممرا بين جناحيها الشامي والانباري.
وبات مؤكدا أن معركة الشحيل ثأر شخصي للبغدادي مع الرجل الذي شد على يده ثلاثا خلال ثلاثة أعوام، لينقض ثلاثا «بيعته» على الولاء والطاعة. والأرجح ألا يسري إبهام الألغاز وضباب الألقاب التي يتخفى خلفها الرجلان إلا على الآخرين. أما أبو بكر البغدادي فليس سوى أبو دعاء، أو إبراهيم عواد السامرائي. أما أبو محمد الجولاني، فلا يناله من الجولان شيء، لأن كنيته الحقيقية قد تكون أسامة الحداوي «الشحيلي»، وهو ما يعرفه البغدادي.
فقبل أن يتفرغ الجولاني لبناء «أسطورته» خلال الحرب السورية، لم يكن سوى أسامة الحداوي، الطالب في كلية الطب الدمشقية حتى العام 2005، فيما كان شقيقه البكر سامر، ينال من علوم التجارة والاقتصاد في كلية مجاورة، على ما يقوله معارضون سوريون يتابعون مسارات «النصرة». والأرجح أن طريد «داعش»، وحبيس الشحيل، رجل لم يتجاوز الثلاثين من العمر بعد.
لم يتقمص طالب الطب الدمشقي في لثام الجولاني بالصدفة، فـ«الجهادية» السلفية مذهب أكثر مسقط رأسه الشحيل. فقبل أن يسقط الطب الدمشقي من سلة الحداوي، كان أكثر من 20 رفيقا له على ضفة الفرات، قد «انتحروا» بأحزمتهم في «الجهاد» العراقي، في ظلال «بيعة» أبو مصعب الزرقاوي وتنظيم «القاعدة».
وكانت الشحيل قد فزعت لحماه في الثمانينيات، فقاتل العشرات من أبنائها قرب نواعيرها مع جماعة «الإخوان المسلمين»، والطليعة المقاتلة، قبل أن يتفرقوا في السجون، وفي المنافي لمن أسعفه الحظ منهم. وعاد منها عمار الحداوي شيخ السلفية ورئيس «الهيئة الشرعية» في دير الزور اليوم، ليجعل منها، مع آخرين، بؤرة «جهادية»، بعد نفي دام نيفا وعقدين في العراق المجاور.
وخلال الحرب الأميركية على العراق اختارت المدينة، برضى دمشق، أن تكون ساحة تجمع لـ«الجهاديين» في دير الزور، قبل العبور إلى العراق. ومنها دخل مئات المقاتلين إلى معارك الانبار وتدفقت عبرها الأسلحة والعبوات والأحزمة الناسفة لقتال المحتل الأميركي أولا و«الصحوات» ثانيا. والحال، أن المدينة، التي تعد 30 ألف نسمة، وآلاف «الجهاديين» لم تشهد هدنة، ولا استراحة «مجاهد» في الأعوام التي سبقت اندلاع الحرب السورية. وعندما قامت «الثورة» المنتظرة في تخوم الشام، لم يفعل جهاديوها سوى إدارة بنادقهم نحو الداخل السوري، أسوة بأسامة الحداوي (أبو محمد الجولاني).
ولما بسط له أبو بكر البغدادي يد المبايعة في الأنبار في أيار العام 2011، للإتصال بخلايا الشام «القاعدية» النائمة، وإنشاء فرع شامي «للدولة» في أيار العام 2011، تحت مسمى «جبهة النصرة»، كان الحداوي قد أمضى ستة أعوام في معارك العراق. ويرجح معارضون سوريون أن يكون سامر، شقيقه البكر، الذي قاده نحو العراق قد استشهد قبل ذلك.
ووضع أبو مسلم التركماني، شيخ «الدولة» يده في البيعة، مزكيا لدى البغدادي «مجاهده» السوري الشاب، الذي بايع البغدادي على «جبهة نصرة» مؤقتة، تكون رهن إشارته، يعود بها إلى حضن «الدولة» الأم، عندما تحين الساعة. وكان أبو مسلم قد زكاه في العام 2009، للمرة الأولى، عندما دفع البغدادي لتعيينه «شيخا شرعيا لولاية نينوى»، رغم صغر سنه.
وراوغ الجولاني كثيرا قبل أن ينشق نهائيا عن البغدادي. وأرسل إلى «أميره» نهاية العام الماضي رسائل عدة تعد بحل «النصرة»، قبل أن يقرر أخيرا أن «حل النصرة لن يجعل أهل الشام ينضمون إلى الدولة».
وكان رئيس استخبارات «الدولة» أبو علي الانباري، وهو ضابط استخبارات بعثي عراقي سابق، قد أرسل تقارير كثيرة، ينصح فيها سيده بتصفيته. وكانت الشكوك قد ثارت عندما بدأ الجولاني بتعقب المقربين من البغدادي، كابي عمر القحطاني، وسجنهم. وعندما طلب أبو ماريا القحطاني إجازة من «الجهاد» لنقل زوجته إلى مستشفى في سوريا، أيقن البغدادي أن الجولاني لن ينصاع لطلبه، إذ اكتشفت استخباراته أن المتحدث باسم الجولاني، قد حمل معه إلى سوريا أموالا كثيرة تعود إلى «الدولة الإسلامية».
لم ينتظر البغدادي معركة الشحيل للتخلص من الجولاني، فعندما فشل في نيسان الماضي في إقناعه بالالتحاق بـ«الدولة»، أشار عليه رئيس «المجلس العسكري لـ«داعش» العقيد السابق في الجيش العراقي حجي بكر، ببدء عمليات اغتيال، واستجلاب فتاوى من مشايخ في السعودية، نجحت بقتل بعض المقربين من الجولاني، والاستيلاء على بعض مخازن الأسلحة، وشق «النصرة» نصفين.
ونجا الجولاني نفسه من القتل في الاجتماع، بعد أن تدخل أبو علي الانباري، ومنع أبو أيمن العراقي من قتله. وانضم إلى «داعش» المئات من «الجهاديين» القوقازيين والعرب. وفي الريف الشرقي لدير الزور، معقل «النصرة»، استجاب عامر الرفدان، عامل مصلحة المياه السورية السابق، لنداء البغدادي، وانشق عن الجولاني، ليصبح «والي ولاية الخير» (دير الزور) في «الدولة»، والمشرف على استغلال نفط المنطقة.
ويبدو أن البغدادي نفسه يشرف على المعركة الأخيرة في الشحيل، فليس حكم ناقض البيعة في عرف «الدولة» و«النصرة» سوى الذبح. وكلما اقتربت المعارك من الشحيل، شحذت السكاكين وسنت السيوف. فخلال اليومين الماضيين، ذبح «داعش» أربعة من المجلس العسكري في مدينة الموحسن رفضوا مبايعته، أما «النصرة» فردت بذبح من بايع منهم، فقطعت رؤوس قائد «لواء الصاعقة» أبو راشد، و«قائد المجلس العسكري» العقيد أبو هارون، وأبو عبد الله شلاش.
ويبدو البغدادي قريبا جدا من الإمساك بخصمه، وإنهاء «النصرة»، إذ لم يتبق للجبهة في دير الزور، معقلها الأساسي، أكثر من جيوب محاصرة، حيث يحاصر «داعش» أحياء دير الزور ومقاتلي المعارضة فيها، فيما يواجه هؤلاء الجيش السوري.
ومع تساقط قرى الريف الغربي، واختراق البوكمال، ومعظم الريف الشرقي، لم تعد «النصرة» تملك أكثر من نصف القورية، وجزء من الميادين. وكان «داعش» وجه انذارا ينتهي عصر اليوم يخير فيه «النصرة» وحلفاءها من ألوية «القادسية» و«عمر المختار» و«الله اكبر» بين التوبة او الموت. ويجنح وجهاء الميادين لتسليمها من دون قتال. واستطاع قائد «داعش» العسكري عمر الشيشاني إقناع «أميري النصرة» في البوكمال فراس السلمان وأبو يوسف المصري بخيانة الجولاني وتسليم المدينة وكتائبها من دون قتال.
وسلم «داعش» ولاية بادية حمص، التي تضم جزءا من دير الزور، إلى أبي أيمن العراقي، احد ألد أعداء الجولاني في «الدولة الإسلامية»، وأكثرهم دموية وعنفا، إمعانا في الحصار، والتهديد بأن معركة الشحيل ستكون معركة حياة أو موت لـ«النصرة» والجولاني.

_____________

ماذا يعني اعلان «الخلافة»؟  

رضوان مرتضى

راية «العُقاب» ترفرف. «الدولة الإسلامية في العراق والشام» تحوّلت إلى «خلافة إسلامية على كل الأرض». ١٤ شهراً استلزمت أبو بكر البغدادي كي يُنصّب نفسه حاكماً بأمر الله. لم يعد أميراً للمؤمنين فحسب، بل بات الخليفة. خلَف النبي محمد، بخطاب أعلن عنه في بداية شهر رمضان عام ١٤٣٥ هجري، سُجّل الحدث التاريخي. أصحاب الرايات السود يريدون تسليم راية دولتهم لعيسى بن مريم

لم يتأخّر «أبو بكر البغدادي» في إعلان خلافته. لم يكتف الشيخ العراقي بلقب «أمير المؤمنين» على «الدولة الإسلامية في العراق والشام». لم يستطع الانتظار أكثر من أربعة عشر شهراً حتى زفّ المتحدث باسم دولته «أبو محمد العدناني» خبر إعلان «الخلافة الإسلامية». أعلن الرجل عن «تحقّق حُلُم الجهاديين». ومعه تحقّق، ربما، حُلُم البغدادي الذي أصبح «خليفة المسلمين»، الحاكم بأمر الله على كل الأرض. ولأول مرة، أُعيد إعلان «الخلافة» منذ سقوطها على يد أتاتورك قبل نحو تسعين عاماً. هكذا كسر بضعة آلاف من جنود «الدولة» حدود «سايكس ــــ بيكو». أُلغيت «الدولة الإسلامية في العراق والشام» لتُستبدل بـ«الدولة الإسلامية» في كل الأرض. وبعدما كانت «راية الدولة خفّاقة تضرب بظلالها من حلب إلى ديالى»، أصبحت خلافة عامة لا حدود لها. سلطتها مطلقة على كل بلاد المسلمين.

وباتت مبايعة الخليفة واجباً على كل مسلم. ومن لا يبايع يُعتبر مارقاً. من يتخلّف أو يرفض، يُحارب ويُضرب عنُقه. وهذا ما جاء صريحاً واضحاً بتهديد العدناني للمتخلّف عن البيعة بقوله: «إياكم وشقّ الصف. ومن أراد شق الصف، فافلقوا رأسه بالرصاص وأخرجوا ما فيه ولا كرامة لأحد».

فماذا تعني «الخلافة الإسلامية»؟ يجيب أحد المشايخ السلفيين أنها تعني أن «الحدود والسدود بين البلاد الإسلامية لاغية. وأن النظام الاقتصادي سيكون واحداً وستكون عملة واحدة تحمل شعار الإسلام ولديها جيش يدافع عنها». ويضيف: «وتعني أيضاً عدم التبعية لأي دولة، وتستوجب إنشاء مراكز وجامعات ومعامل تمهيداً لجعل المسلمين قوة عظمى في شتى المجالات». وفي الحالة الراهنة، قررت «الدولة»، ممثلة بأهل الحل والعقد فيها، بعدما باتت تمتلك كل المقومات، إعلان قيام «الخلافة الإسلامية» وتنصيب «خليفة» للمسلمين. والمقوّمات بالنسبة إليها، هي المقومات نفسها التي كان يمتلكها الخلفاء منذ نحو ١٤٠٠ عام. وبحسب المشايخ السلفيين، المقومات تفرض أن يكون الخليفة حاكماً على أرض بكل معنى الكلمة، وليس بحكومة مؤقتة. ويرى هؤلاء أن «الدولة» انطلقت من سيطرتها على مساحات جغرافية شاسعة واعتبارها أن امتلاك المال والجيش والشعب، يخوّلها إقامة الخلافة، من دون أن تأخذ في الاعتبار أن كل زمن له مفهوم لمقومات الدولة. وقد حدد العدناني ذلك بفك الأسرى وتعيين الولاة والقضاة وجباية الضرائب ونشر التعليم الديني.

وهنا يؤخذ عليها إعلان الخلافة من دون حيازة «إجماع علماء الأمة». فهل فعلاً وافق أهل الحل والعقد أي العلماء والوجهاء على إقامتها؟ من هم هؤلاء؟ وإذا كان البغدادي خليفة على كل بلاد المسلمين، فهل تكفيه مبايعة علماء العراق والشام له، رغم انها لم تحصل؟ بالتأكيد إعلان قيام «الخلافة»، هي إحراج لجميع الفصائل الإسلامية المقاتلة. وقد خاطبت «الدولة» جنود الفصائل والتنظيمات قائلاً: «بطُلت شرعية جماعاتكم وتنظيماتكم. ولا يحل لأحد منكم أن يبيت من دون أن يُبايع». ثم أضاف: «لا يؤخر النصر إلا مثل وجود هذه التنظيمات لأنها سبب للفرقة».

يتساءل أحد أنصار «جبهة النصرة» عن معنى إعلان «الخلافة». ثم يجيب نفسه قائلاً: ذلك يعني أن «حركة طالبان» و«تنظيم القاعدة» بكل فروعه وكل الحركات المجاهدة على مختلف الجبهات آثمة وقتالها وقتلها واجب إن لم تُبايع خليفة المسلمين البغدادي. بدوره، يروي أحد أفراد «كتائب عبدالله عزام» لـ«الأخبار»: «لا مصلحة في إعلان الخلافة في هذه الظروف بل يترتب عليها مفسدة توجب بطلانها». ويرى الشاب اللبناني المطلوب بمذكرات توقيف «لانتمائه إلى تنظيم إرهابي» أن «قيامها في هذا التوقيت تدمير لما بناه مجاهدو الإسلام في كل مكان»، كاشفاً أن «الإعلان يعني أن كل من لا يبايعهم سيُحكم عليه بالردة والقتل». وردّاً على سؤال إن كان سيُلبي الدعوة لبيعة الخليفة، قال: «لا أشق الصف، لكن بالتأكيد لا أبايع. ليُضرب عنقي ألف مرة أهون علي من أن أبايع، لأني لا أرضى بشريعة تستبيح دماء ألوف مؤلفة من المسلمين بغير وجه حق». وفي السياق نفسه، يرى أحد القياديين في «جبهة النصرة» أن «البغدادي حكم على الشيخ الجولاني بأنه مرتد لمجرّد تركه بيعة أمير الإمارة عندما كانت البيعة سنّة وليست فريضة»، كاشفاً أنهم بـ«إعلان الخلافة يفرضون على جميع تنظيمات العالم الإسلامي أن تكون مع «الدولة» في كل شيء، ومنها قتال «الجبهة» أو ستُعتبر متخلّفة مرتكبة لفعل الردّة يجب قتالها من قبل جنود الدولة نفسها». شيخ سلفي ثالث يعتبر أن «إعلان الخلافة قمة الغباء، إذ لا تمتلك «الدولة» مقومات دولة حقيقية. هل القوة العسكرية تقيم الدولة؟ أين خبراء الاقتصاد والتربية؟ بنظري هذا انتحار سيعجّل في انهيارها». ويسأل آخر: «فهمنا أن الأموال تتحصّل من بيع النفط، لكن إذا حوصرت وضُربت ماذا سيحصل. أين هذه الخلافة التي لا يعرف أحدٌ رأسها؟».

هكذا، وبعدما باتت «الخلافة الإسلامية» أمراً واقعاً، يقول جهاديون لـ«الأخبار» إن قبلة الأنظار ستكون مكة. كذلك الأمر هي مدينة رسول الله. وبالتالي، سيعين الخليفة مندوباً في كل ولاية. ومن يدري؟ قد يكون لـ(ولاية) لبنان أمير (مستقبلاً، لأن ما نُشِر أمس عن تعيين رجل يدعى عبد السلام الأردني اميراً لداعش على لبنان، غير صحيح، بحسب مصادر أمنية). وقد يكون الجواب في جعبة «حزب التحرير»، الحزب الإسلامي الذي يدعو منذ سنوات لإقامة الخلافة.

 

غير معرف

About غير معرف

هيئة التحرير

Previous
Next Post
ليست هناك تعليقات:
Write comments

شكرا

المتابعون


ابحث عن مقالات مثل التي قرأت

Advertise Here

المقالات الأكثر قراءة

_____________________________________________________
حقوق التأليف والنشر © مراجعات. جميع الحقوق محفوظة.