محمود جديد
- لم تحظَ مبادرة سياسيّة بالاهتمام المصطنع والنفخ والتضخيم كما حظيت مبادرة المهندس الداعية أحمد معاذ الخطيب على الرغم من محدوديتها ، وبغضّ النظر عن دوافعها الحقيقية الذاتية والموضوعية ، وتأثير الإشارات الدوليّة المباشرة ، وغير المباشرة على إطلاقها .. علماً أنّ هيئة التنسيق كانت أُمّ المبادرات السياسيّة والتي انعكست مضامينها على جميع المبادرات السياسية العربية والدولية التي صدرت حتى الآن ، ولكنّ استقلاليّة الهيئة سياسيّاً وماليّاً ، ورفضها التبعية جعل مبادراتها أقلّ وهجاً وإشهاراً في بورصة السياسة الدولية …
غير أنّ عجز الإئتلاف عن استكمال هيئاته ومؤسساته بسبب العراقيل والمعيقات التي يضعها المجلس الوطني من جهة ، ونقص خبرة معاذ الخطيب في العمل ضمن تشكيلات جماعية من جهة ثانية ، أضفت على مبادرته طابعاً فرديّاً انفعاليّاً ممّا سهّل على القوى الفاعلة في المجلس إفراغها من محتواها رغم التطبيل والتسويق الدولي الكبيرين لها .. حيث أسرعت تلك القوى في انتقادها شكلاً ومضموناً ، وطالبت بإنعقاد الهيئة السياسية المؤقّتة في القاهرة مؤخّراً .. هذه الهيئة التي شكّلها معاذ بقراره بعد أن عجز عن تشكيل مكتب تنفيذي دائم للإئتلاف ، أو تشكيل حكومة مؤقتة بسبب عراقيل ( محرّك التشغيل ) في المجلس الوطني ، والإئتلاف ، هذا المحرّك الذي لا يرغب بوجود قيادة سياسية مؤهّلة وقادرة على الانفكاك من قيوده ، والانطلاق بحريّة …
فهذه الهيئة التي تتشكّل بأغلبيتها الساحقة من عناصر المجلس ومخلّفاته يبدو أنّها استطاعت إعادة معاذ الخطيب إلى قمقم الإئتلاف ، وأغلال المجلس ولو مؤقّتاً ، وبالتالي احتوت مبادرته وصادرتها من خلال المقررات التي اتخذتها بتاريخ 14 شباط الماضي حيث نصّت النقطة الثانية منها على مايلي :
” إن بشار الأسد والقيادة الأمنية – العسكرية المسؤولة عن القرارات التي أوصلت حال البلاد إلى ما هي عليه الآن خارج إطار هذه العملية السياسية وليسوا جزءاًمن أي حل سياسي في سوريا، ولابد من محاسبتهم على ما اقترفوه من جرائم. “
وهذه النقطة تتوافق مع بيان الأخوان المسلمين الصادر حول مبادرة الخطيب ، وتشكّل رفضاً لها .. لأنّ نظام بشار الأسد لم يستسلم بعد ، ولا يزال لديه القدرات العسكرية والأمنية والسياسية والشعبية ، والتحالفيّة التي تؤهّله للاستمرار لأجل غير قصير … ومن هنا فإنّ المطالبة باستبعاده ومحاسبته مع طاقمه السياسي والأمني والعسكري بشكل مسبق ،هو بحدّ ذاته رفض لمسيرة الحلّ السياسي الذي قبل الخطيب بها ، والدعوة إلى استمرار المراهنة على الحلّ العسكري ، أي ديمومة العنف المزدوج الراهن من قبل الطرفين ، وفي الوقت نفسه بقاء السادة أعضاء الهيئة السياسية بعيدون عن ساحة القتال ومرفّهون ، ينظّرون ، وينتظرون ، ويتفرّجون على عملية طحن وسحق سوريّة شعباً وبنية تحتيّة …
- ثمّ جاءت النقطة الثامنة من البيان التي تنصّ على :
” المطلوب من أصدقائنا وأشقّائنا أن يدركوا أنّ باب الحلّ السياسي الذي يضمن حقن الدماء والاستقرار والحفاظ على مؤسسات الدولة لن يفتح إلّا عبر تغيير موازين القوى على الأرض بما يعني ذلك من إمداد الإئتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السوريّة وهيئة الأركان المشتركة بكل أسباب القوّة .”
إنّ مضمون هذه النقطة واضح لمَن يقرأ بين الكلمات والسطور ، حيث تطلب الهيئة السياسية من خلالها وتناشد الدول الخليجية ، وتركيا وأمريكا وحلفاءها بتزويد الإئتلاف (والجيش السوري الحرّ ) بالمال والسلاح والعتاد من أجل الحسم العسكري ثمّ بعد ذلك الدخول في الحلّ السياسي لضمان حقن دماء الشعب السوري والمحافظة على مؤسسات الدولة . أليس هذا الفهم السياسي غريباً على كل إنسان عاقل ، لأنّهم وضعوا العربة قبل الحصان ، فعند الانتهاء من الحسم ستنتفي الحاجة إلى الحلّ السياسي .. والذي يستطيع تحقيق ذلك سيمشي مزهوّاً ( بنصره ) ، وينطلق مسرعاً على طريق تحقيق قراراته وأجنداته السياسية كما يشاء ، وسيجد أرتالاً من السياسيين السوريين المتعطشين لتسلق عربة (المنتصرين ) التي ستسير على جثث أبناء سورية المضرّجة بالدماء من العسكريين والمدنيين .. فالهدف الأساسي من الحلّ السياسي هو حقن الدماء والمحافظة على ما تبقّى من البنية التحتية في القطر قبل فوات الأوان ، وليس بعده ، فالأسلحة التي سيتزوّد بها / الجيش الحر / لن تكون خنجراً يمنيّاً يزيّن به خواصر مقاتليه ، وإنّما للمشاركة مع أدوات قمع النظام المستبدّ في المزيد من القتل والخراب … وهكذا يؤكّد البيان على رفض خيار التفاوض الذي عبّر عنه معاذ الخطيب وصفّق له الكثيرون عن قناعة أو للحاق بموكبه السلمي في الوقت المناسب ، وإيجاد الفرصة الملائمة للتراجع عن المكابرة ، أو التكويع بعد شمّ رائحة الوفاق الدولي المحتمل …
- آمّا مطالبة البيان كلّ من روسيا وإيران بتغيير موقفيهما فإنّه يعبّر عن سذاجة سياسية ، وجهل مطبق بدوافع ومنطلقات كلّ منهما ، وتقييمهما للإئتلاف نفسه أوّلاً ، ومعرفتهما بنواياه وخطواته المستقبلية وارتباطاته الدولية المريبة بالنسبة لهما ثانياً …
- تجاهل البيان الإشارة إلى مبادرة الخطيب من الأساس ، ولقاءاته في جنيف .
والاستفزازات داخل الهيئة السياسية …
والتساؤل المشروع الذي يطرح نفسه هنا : وماذا بعد ؟
من الصعب الإجابة عن هذا التساؤل بجملة واحدة ، ولكن يمكن وضعه ضمن إطار أحد الاحتمالات التالية :
1 – أنْ يعرف معاذ الخطيب حجمه الحقيقي داخل الإئتلاف ، ويقبل على مضض الدخول في قمقمه ، وتشكيل واجهة شكليّة له لا حول لها ولا قوّة ، وطربوشاً (عثمليّاً ) يُلبس ويُخلَع حسب الطلب والحاجة …
2 – أنْ يرفض الإذعان لمشيئة ( محرّك تشغيل الإئتلاف ) ، ويثأر لكرامته السياسية المهدورة ، ويُطلِق صرخة مدويّة في وجوههم ، وقد يتبعها شيء آخر من فمه ، ويعلن استقالته من الإئتلاف ، والعودة إلى ذاته الأولى قبل التدجين حرّاً طليقاً منسجماً مع طروحاته السياسية الوطنيّة المعتدلة قبل اعتماده من آصحاب الشأن الدولي لقيادة هذا الإئتلاف الذي يفتقر للتآلف الطبيعي بين أعضائه وأطرافه … وفي هذه الحالة سيحافظ على جانبٍ مهمّ من كرامته السياسية ، وسيحظى عندئذ بتأييد شعبي واسع ، لأنّ الجماهير السوريّة بأغلبيتها الساحقة توّاقة لحل سياسي يحقن دماءها ، وينهي معاناتها ومأساتها المريرة التي تعيشها، و بأسرع وقت ممكن …
3 – أنْ ينصاع معاذ الخطيب ومعه صقور الإئتلاف ، و( محرّك تشغيل المجلس الوطني ) لتعليمات وأوامر مرجعياتهم السياسية الدولية ، ويتكيّفوا مع متطلبات الطبخة الأمريكية – الروسية عند نضوجها .. وفي حال مكابرتهم ورفضهم ذلك ستعمد الجهة التي صنعت الإئتلاف لإصدار طبعة جديدة منه وبوجوه جديدة ، للقيام بما يلزم .. وكفى الله المؤمنين شرّ القتال…
ليست هناك تعليقات:
Write commentsشكرا