سيان ما هي رؤية من رحّب ومن لم يرحب بحديث أمريكي عن ضربة عسكرية، سريعة ومحدودة، ثم عن ضربة بطيئة أشدّ مفعولا، ثم التمهل بانتظار قرار داخلي جماعي، فمن المهم التأكيد أن من السذاجة السياسية بمكان الظنّ أن الرئيس الأمريكي أوباما قد قرّر التحرّك تأثراً بدماء مئات الأطفال الشهداء مع مئات آخرين بالسلاح الكيمياوي الأسدي، بعد أن بقي سنتين لا يأبه بمئات الألوف من الضحايا، وبسيل الدماء والعذابات ومسلسل التدمير والتشريد في سورية.
بل إن التربية الأمريكية أوصلت إلى عدم تأثّر "الإنسان الأمريكي" بما يحدث للإنسان غير الأمريكي، كما أظهرت استطلاعات الرأي القائلة إن النسبة الأعظم من الأمريكيين يعتقدون أنّ العصابات الأسدية ارتكبت الجريمة الكيمياوية الهمجية، ولكنهم يعارضون قرار التحرك عسكرياً لهذا السبب، ممّا جعل الساسة الأمريكيين يقومون بحملة غير مسبوقة لذكر أسباب أخرى "مقنعة“!..
هذه الأسباب لا علاقة بالضحايا ولا بالإنسان وحقوق الإنسان.. وهي التي جعلت ما يدور وراء الكواليس بالتواصل مع العصابات الأسدية عبر حلفائها الروس وربما الإيرانيين أيضاً، تصل إلى عقد صفقة أخرى شبه مؤكدة، على مصير السلاح الكيمياوي، ولكن دون وضع حدّ للجرائم الأسدية، كما ظهر من التصريحات المتعاقبة خلال ساعات معدودة على ألسنة "المعلّم" ومعلمه الروسي ونظيره الأمريكي ولسان الأمين العام للأمم المتحدة، الحريص على الإشادة المتكرّرة بصديقه الإبراهيمي.
جوهر الصفقة بغض النظر عن التفاصيل هو إتلاف السلاح الكيمياوي الذي يمكن أن يشكل خطرا على الإسرائيليين بعد الثورة، وفيما عدا ذلك يمكن تجديد الحديث عن جنيف ٢ وربما على ما تتضمنه الصفقة بصدد عقده ومجراه ونتائجه المطلوبة.
* * *
إذا انعقدت الصفقة ونفذت، فلا قيمة لضربة عسكرية رمزية، سواء وقعت أم لم تقع.. فما يقال عن حفظ ماء وجه الساسة الأمريكيين لا وزن له بعد أن أظهروا هم أنفسهم عدم اكتراث به، وهو يراق منذ أكثر من سنتين مع دماء الأبرياء التي أريقت في سورية وما تزال تراق بالكيمياوي وغير الكيمياوي.
وأما ما يقال عن مصداقية الرئيس الأمريكي ومصداقية "دولته الكبرى" فما قيمة ما يقال وما قيمة تلك المصداقية وهي معتقلة في جوانتانامو مع المعتقلين فيه، وتتعرّض يومياً للضربات مع من تستهدفهم الطائرات دون طيار، وتستباح مع كل استباحة يتعرض لها أحرار العراق.. وأحرار فلسطين.. بل وأحرار مصر وسواها في هذه الأثناء.. لقد تهشمت هذه المصداقية على ألف صخرة وصخرة، ولن يوقف تهشمها اتخاذ موقف نزيه تجاه الثورة الشعبية في سورية وضحاياها.
* * *
كان يلفت النظر أن الثوار على أرض الوطن لم يأبهوا بمسلسل تحركات أوباما إلا بقدر هامشي ضئيل بالمقارنة مع من تحرك ويتحرك في "المحافل" السياسية باسم الثورة. لا يستغرب ذلك فالثوار على أرض الوطن يعلمون أن هذه الثورة استمرت وتوالت إنجازاتها جنباً إلى جنب مع الآلام، رغم آلة الإجرام الأسدية ودعم حلفائها دون خجل، وعبثية تحركات من قال بصداقته للشعب الثائر وهي تكشف عن ألغامها ومهلها القاتلة مرة بعد أخرى.
الثوار على أرض سورية يعلمون الآن أيضاً، أنها ثورة مستمرة حتى النصر، مهما قيل أو صنع خارج نطاقها، ويعلمون أن النصر الحقيقي هو التحرر من قبضة الاستبداد الداخلي وقبضة الهيمنة الأجنبية معا، وأنه هو مفتاح بناء المستقبل.
فليقرر من يقرر ضربة عسكرية، وليجعلها صغيرة أو كبيرة، محدودة أو موسعة، وليعقد من يعقد الصفقات ما يشاء منها لتحقيق مصالح ومطامع ذاتية أو دولية مشتركة أو مصالح أعدى أعداء سورية وشعبها وشعوب المنطقة.. وسيبقى من قبل ذلك ومن بعده مسار الثورة حتى النصر، حتى التحرر الناجز بعون الله، من كل شكل من أشكال الاستبداد الداخلي والهيمنة الأجنبية.
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
___________
IkhwanSyria
ليست هناك تعليقات:
Write commentsشكرا