خالد عياصرة
_________
العشائر الاردنية لا تعترف على الأغلب بالحركيين، هذه حقيقة لا أحد يستطيع إنكارها، حتى وإن كانت العشائر ترفض الواقع العام للدولة، وتعتبر القائمون عليه فاسدين، سرقوا وتاجروا بمقدراتها لحسابهم الشخصي. إضافة لأسباب تاريخية تقوم على عدم معاداة النظام الأردني.
ذات ربيع، تم اعتقال عدد من شباب بلدتي ساكب– إلى الشمال من العاصمة عمان -على خلفية مشاركتهم في اعتصام أمام دار رئاسة الوزراء – الدوار الرابع –ليتم تحويلهم إثر ذلك إلى محكمة أمن الدولة.
نتيجة ذلك تم عقد عدد من الاجتماعات في دواوين البلدة، لإيجاد حلول كفيلة بحل هذه المشكل.
ذات ربيع، تم اعتقال عدد من شباب بلدتي ساكب– إلى الشمال من العاصمة عمان -على خلفية مشاركتهم في اعتصام أمام دار رئاسة الوزراء – الدوار الرابع –ليتم تحويلهم إثر ذلك إلى محكمة أمن الدولة.
نتيجة ذلك تم عقد عدد من الاجتماعات في دواوين البلدة، لإيجاد حلول كفيلة بحل هذه المشكل.
الاجتماعات أثمرت الكثير من الخلافات، جراء تباعد وجهات النظر، خصوصا تلك النظرة التقليدية التي تؤطر العشائر، والقائمة على وجوب الطاعة العمياء لأي فعل يقوم به النظام، حتى وإن كان لا يتلاءم و مصالحها، فإطاعة الدولة والقائمين عليها، من الإيمان، وانتقادها كفر ما بعده كفر، يهدد أمنها واستقرارها، وقد تجر خلفها عواقب وخيمة، لا يملكون المقدرة على مواجهتها، هكذا يفكرون!
حجة هؤلاء تقوم على : ” هؤلاء لم يستشيرونا عندما خرجوا، لذا عليهممواجهةمصيرهم بأنفسهم، ولا علاقة للعشيرة بهم، لتدافع عنهم الاحزاب والتيارات والحركات التي ينتمون لها، فهم اولى بهم، منا”. فعلياًأصحاب النظرة هذه يعتمدون منهجيات الإقصاء، كمحرك لدعواهم، فنظرتهم هي فقط التي يتوجب أن تسود العشيرة، وما دونها لابد لها أن تنصاع لها.
بهذا يكون العنصر الأقوى والضامن الوحيد للدفاع عن الشباب المعتقلين قد حيدتماماً، وهذا بحد ذاته أمر يعمله الجميع بما فيه الحراك، ولا يمكن انكاره، لننظر الى كم الاحداث التي رافقت عدد من الفعاليات، وما نتج عنها من مشاجرات بين اعضاء الجسد الواحد.
تجدر الإشارة هنا، إلى أن “بعض” العشائر دافعت عن بعض رموز الفساد المؤسسي الرسماليين في الأردن، أكثر من دفاعها ابنائها المعتقلين!
الممكن قبول هذه الصورة، بل والدفاع عنها، فرفض العشائر للاعتراف بشباب الحراك، له اسبابه.
حراك يأكل حراك
لكن الذي لا يقبله سجناء الحراك، هو غياب الاحزاب الاردنية والحراكات الشعبية عن دعمهم، الامر الذي حمل البعض منهم على اعتبار ذلك بمثابة – خيانة لهم من قبل احزابهم، خصوصا التيار الاسلامي – وكأنهم لم يكونوا يوماً جزء منهم، ساروا الى جنبهم، وفق برامجهم.
هذا ظهر جلياًبعداعتقل حركيون تابعون للتيار الإسلامي،اليساري، الشعبي، حيث تم التعامل مع الحدث وفق مناهج الانتقائية، فإن كان المعتقل أسماًبارزاً في الحراك، خرجت لأجله الاعتصامات والمظاهرات، أماإن كان مجرد تابع يُسير من بعيد، فلن يكترث لأمره أحد.
لنأخذ مثلاً، المعتقل باسم الروابدة، صاحب التاريخ الطويل في العمل السياسي، اعتقل، وخرجت من أجله عدد من الفعاليات، لكنها متواضعة، إذ لم يكترث لإمره أحد، حتى التيار الاسلامي الذي ينتمي له الروابدة،في حين تسير الاعتصامات وتكتب المقالات لأحد الاسماء ويلمع – مع التحفظ على أسمه – مع أنه صاحب تاريخ متواضع في النشاط السياسي.
المنطق يقول: إن الحراك لابد أن يشد أزر بعضه بعضا، فإن القي القبض على أحد أفراده، يدعم من الأخرين، على اعتبار أن العلاقة فيما بينهم تكاملية تشاركية، لا أن يتم التعامل مع الحدث بشيء من الانفصال والمناطقية.
بطبيعة الحال، هذه الصورة، تتحد مع الصورة السابقة، والتي تم من خلالها تحييد العشيرة كحامي لأبنائها في حال تعرضهم للاعتقال.
لكن البعض الأخر لم يكترث لأمرهمأحد، بل وتنكر لهم الاغلبية، لأنهم حقيقة لا يملكون أدوات التأثير على رفقائهم، كما لا يملكون الأدوات للتأثير على الإعلام.
إلى جانب ذلك، اعتقال أحد الأسماء من الحراك غير المعروفين، سيلاقي شيئاً من عدم الاكتراث من الحركات نفسها، فأسم العشيرة وأن غاب في الدواوين التي تتنكرلأبنائها، الا أنه حاضر بقوة في صميم الحركات، والتي تتخذه منهجاً لها، واسلوبا، فالمناطقيةحاضرة بل حاضرة بقوة في الحراك.
مثال ذلك “لنفترض”اعتقلأحد اعضاء حراك الطفيلة، مقابل اعتقال أخر من حراك إربد، الواقع يقول، أن المعتقل من حراك الطفيلة سيلقى الكثير من الاهتمام، والمتابعة الشعبية والاعلامية، أكثر من المعتقل من حراك إربد، مع أن حراك إربد أكثر فاعلية من غيره، لكن، لماذا؟
لإجابة السؤال لابد من القول:إن بعض الحركات تعتبر نفسها بمثابة وصيةعلى للحركات الأخرى، فهي صاحبة التجربة الحقيقية، والأقدر على إدارة الرأي العام وتسيره بالاتجاه المطلوب من سواها.
سيطرة اليوم نتائج في الغد
أضف إلى ذلك، بعض الحركاتتفكر بطريقة تقوم أساساً على فرض السيطرة على الحركات الاخرى اليوم، يعطيها الاحقيةباقتطاف النتائج غداً، بما يخدم مصالحها.
هذه الحقيقة، تجسدت على أرض الواقع، ويعرفها الحركيين جيداً، معرفتهم للشمس المشرقة، كونها من الأمور التي نوقشت في جلساتهم، وفشلوا في إيجاد حلاً مفصلياً سليماً لها.
بل إن “بعضهم” استفاد صعوداً على ظهر الحراك، ووصل إلى مبتغاه وهدفه. وهم معروفين للحراك بالاسم.
القريب من المشهد يتذكر أحداث تشرين الثاني،واشتعال المظاهرات لأيام على خلفية رفع الأسعار.
المشارك والمراقب لإحداث اليوم الأول من هبة تشرين عند دوار المدينة الرياضية مثلا، لفت انتباهه سيطرة حراك حي الطفيلة على الجميع، بحيث لم يجرؤأحد على الإمساك بـ” الميكرفون”حجةذلك، والتي اعلنها بعضهم مبنية على” نحن الأقدر على ذلك من غيرنا “.
عين الأمر تكرر مراراً في وسط البلد – الجامع الحسيني – إذ يسيطر الإخوان المسلمين على الفعاليات دون السماح للأطراف الأخرى بمشاركتهم، ما قاد العديد منها – الحركات – للانسحاب من الفعاليات، كرد فعل على فردية القيادة، وتزمتها وتسلطها.
وفاة الحراك
مادام الحراك مصاب بحالة من الاحباط والشلل، ومادام يفكر بذات الاسلوب القديم، القائم على الفردية والسلطوية في القيادة واتخاذ القرار، وجني المكاسب والمرابح، ومادام متكلاً على المناطقية المحدودة والاقليمية المرعوبة، ومادام رافضاً للكلية في انتشاره، والتوحد في مطالبة، والتشاركية في قيادته.
فأنه لا شك، بات يشكل عامل أضعاف للمجتمع الأردني، فوق العوامل التي يعاني منها اصلاً، يمكن استغلاله من قبل النظام، لفرض مشروعات بعينها، وعلى البارد المستريح كما يقال.
هنا، وهنا تحديداً، يمكن إعلان وفاة الحراك، والصلاة عليه، ويبقى تحديد موعد دفنه.
أليس إكرام الميت دفنه؟
ليست هناك تعليقات:
Write commentsشكرا