محمد بلوط
خلال ساعات فقط وبطريقة متزامنة، انفجر الخلاف داخل «الائتلاف» السوري المعارض حول دعوة رئيسه معاذ الخطيب إلى التفاوض مع النظام، مشيراً إلى بدء العدّ العكسي لإخراجه من زعامة «الائتلاف»، فيما كان الراعي الدولي الأول الأميركي لأكبر كتل المعارضة السورية تأثيراً، يحسم أمره في مؤتمر صحافي في واشنطن، ويعلن على لسان وزير خارجيته جون كيري انحيازه الواضح والصريح لحلّ تفاوضي يرجح الوجهة الروسية، ويؤكد أن التقارب الروسي ـ الأميركي أصبح تفاهماً يستحق الاختبار.
وأسقط وزير الخارجية الأميركي من مؤتمره الصحافي مع نظيره النروجي، ظهر أمس، دفعة واحدة كتلة من الاعتراضات الأميركية والأوروبية حول موقع الرئيس بشار الأسد في العملية الانتقالية، وذلك بتسميته الرئيس السوري بالاسم في الدعوة التي أطلقها إلى إجلاسه، بجانب ممثلين عن المعارضة، إلى طاولة حوار سياسي حول سوريا، بعد أن كان المطلب الأولي هو تنحيته.
وقال كيري «نريد أن يجلس الأسد والمعارضة السورية إلى طاولة المفاوضات، بغية تشكيل حكومة انتقالية ضمن الإطار التوافقي الذي تمّ التوصل إليه في جنيف».
وينسف الكلام الأميركي حسابات المعارضة السورية والمحور التركي ـ القطري ـ السعودي الذي لا يراهن إلا على الحلّ العسكري، بإعادة تأهيل الأسد عنصراً من الحلّ وليس عنصراً من المشكلة. ويتطابق الموقف الأميركي في مؤتمر كيري الصحافي مع الموقف الروسي الذي يعدّ الرئيس السوري جزءاً من العملية السياسية، ويقدّم للمرة الأولى قراءة روسية ـ أميركية واحدة لاتفاق جنيف، الذي شهد اجتهادات كثيرة حول تفسيره.
وكان الفرنسيون والبريطانيون، الذين حضروا ولادة اتفاق جنيف في الثلاثين من حزيران، يقدمون قراءة تعتبر تنحية الأسد شرطاً مسبقاً لأيّ حلّ سياسي أو تفاوض بديل عن الحل العسكري، الذي تدعمه باريس ولندن، عبر أجهزتهما الأمنية على الأرض وتنسيق العمليات العسكرية الكبرى ضد الجيش السوري.
ويتناقض كلام الوزير الأميركي مع تصريح وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس الذي سبق الأميركي بالقول إن الروس والأميركيين والفرنسيين
يبحثون في أسماء مقبولة لتمثيل النظام. ذلك أن مجرّد منح الرئيس الأسد مقعداً في المفاوضات يسقط شرط اقتصار حق التفاوض على مَن لم تتلوث أيديهم بالدماء، كما يُكذّب كلام الوزير الفرنسي عن إشراك فرنسا في وضع لائحة بالأسماء، خصوصاً أن أحداً من الأوروبيين لم يُدعَ إلى أي لقاء من اللقاءات الروسية - الأميركية حول سوريا.
ويمنح الكلام الأميركي الأفضلية لمفاوضات عملية وفعالة، قد لا ترضي المعارضة، لكنها تأتي بأصحاب القرار إلى قاعة التفاوض، وشخصيات من القادرين على فرض سلطتهم على الأجهزة العسكرية والأمنية، وليس إلى مجرّد ممثلين شكليين لا قدرة لهم على اتخاذ القرارات وعقد الصفقات والتسويات، التي بات الدمار السوري المفتوح يفرض الاستعجال إليها.
وقال كيري «إن هذا ما نسعى إليه، والتوصل إلى هذا الأمر يتطلّب أن يغيّر الأسد الحسابات كي لا يظن أنه يستطيع إطلاق النار إلى ما لا نهاية، كما يجب أيضاً أن تجلس إلى طاولة المفاوضات معارضة سورية مستعدة للتعاون»، مردداً أنه يسعى إلى توحيد المعارضة السورية.
ولن يجد الوزير الأميركي كتلة وازنة في صفوف المعارضة السورية، أو صدى إيجابياً لاستقبال المنعطف الذي اتخذته الولايات المتحدة نحو تبني حل سياسي بالشراكة مع روسيا أو على الأقل المحاولة المعلنة لاختبار الطريق الروسي نحو الحل السياسي، وقدرة الروس على انتزاع تنازلات من النظام الذي يدعمونه سياسياً وعسكرياً في سوريا.
وفيما كان الوزير الأميركي يرجّح الحلّ السياسي، كان الأمين العام للائتلاف المعارض مصطفى الصباغ يفتح النار، على رئيسه معاذ الخطيب ورفضه تشكيل حكومة مؤقتة في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، خشية أن تؤدي إلى تقسيم سوريا وتفضيل هيئة تنفيذية إدارية لا صلاحيات سياسية سيادية لها.
وخرج الخلاف بين الصقور والحمائم في «الائتلاف» إلى العلن. واشتعلت حرب الرسائل الإلكترونية بين الخطيب والصباغ الذي ردّ على رسالة الأول برفضه عقد اجتماع اسطنبول قبل أيام لتشكيل تلك الحكومة، مستخدماً كل الاتهامات التي تقارب التخوين. وهكذا أضحت المساكنة بين الطرفين مستحيلة، ليس بسبب عدم القدرة على إدارة الخلافات بين دعاة اختبار الحل التفاوضي الذي يدعو إليه الخطيب وأنصار الحلّ العسكري في كتلة الصباغ فحسب، بل بسبب الروزنامة القطرية الضاغطة التي تستعجل الحصول على حكومة مؤقتة من «الائتلاف» الذي رعته وتموّله منذ أن أنشأته بشراكة أميركية، وحتى أنها عيّنت أكثرية أعضائه كما يردد الكثيرون من «الائتلاف» قبل انعقاد القمة العربية بعد أسبوعين لإيلاء المقعد السوري إلى تلك الحكومة، وطرد النظام السوري نهائياً من الجامعة العربية وإسقاط شرعيته.
وقال مصطفى الصباغ، الرجل الثاني في التركيبة الائتلافية في رسالة وزعتها مواقع المعارضة السورية، إن «الحكومة المؤقتة هي الحكومة الشرعية التي تمثل السوريين وهي الضمان الوحيد لعدم تقسيم سوريا»، في وقت هاجم ما أوحت به رسالة الخطيب «من أن سلطة الحكومة المؤقتة ستوازي حكومة النظام وهو اعتراف بشرعية النظام وينافي أهداف الثورة في إسقاطه».
وكان واضحاً لدى الصباغ أن الخطيب في جنوحه نحو التفاوض مع النظام «ساهم في ترويج رواية النظام بأن استقرار سوريا وحقن الدماء هدفان وطنيان يسموان على غيرهما من الأولويات، لكن لا بد من التشديد من أن الطريق إلى حقن الدماء واستقرار سوريا يمر حصراً عبر إسقاط نظام بشار الأسد ومنظومته الأمنية».
وكان قطب في «الائتلاف» قال لـ«السفير» إن الخطيب يفكر منذ أسابيع بتقديم استقالته، لكنه تعرّض لضغوط من تيارات في المعارضة من خارج «الائتلاف» ومن داخله تطالبه بالبقاء في منصبه، بانتظار أن ينضج تيار سياسي معارض قادر على توحيد الأطراف التي تتبنى الوجهة التفاوضية مع النظام.
وقال القطب المعارض إن معاذ الخطيب من دون «الائتلاف» لن يكون قادراً على التأثير على مسار التفاوض وفرض الحلّ التفاوضي على الصقور في المعارضة الذين يعملون بوحي من المحور القطري - التركي - السعودي.
كما أن إعادة تشكيل المعارضة على أساس الوجهة التفاوضية سيكون صعباً طالما أن أحداً منها، باستثناء الحلف الديموقراطي المدني، الذي وُلد في باريس من لقاء تيار بناء الدولة وهيئة التنسيق الوطني لا يملك تصوراً متكاملاً للعملية التفاوضية، كما لا يضع على أجندته مشاركة ممثلي النظام في حكومة انتقالية تنهي القتال في سوريا وتفتح الباب أمام تغيير النظام بطريقة سلمية.
وتقول أقطاب في الحلف المدني إن كتائب من المسلحين في «الجيش الحر» تميل إلى الطرح التفاوضي، لكنها لا تعتزم إعلان موقفها قبل اتضاح مصير «الائتلاف» وتبلور إطار يجمع أنصار التفاوض.
وقال قطب في «الائتلاف» إن مصير الخطيب سيُحسم في الثامن عشر من الشهر الحالي، إذا ما توصلت الأغلبية إلى عقد اجتماعها، وإن الخطيب قد يضطر إلى الاستقالة لتجنب إقالته في اسطنبول. ومن غير المستبعَد أن يؤجل الاجتماع أو يلغى، لكنه سيؤدي بمجرّد إلغائه إلى توجيه ضربة للطموح القطري، بتحويل قمة الدوحة إلى قمة لتتويج انتصار الدوحة السياسي على دمشق.
ويمتلك الصباغ كتلة أكبر من كتلة الخطيب. ويقول قطب في «الائتلاف» إن الصباغ الذي جاء به القطريون يتمتع بتأييد كتلة من 15 ائتلافياً. كما أن كتلة متباينة من الليبراليين تتألف من 12 عضواً تقف إلى جانب الصباغ، كسهير الأتاسي وكمال اللبواني وجابر زعين، وربما وليد البني الذي كان يقف إلى جانب الخطيب، بالإضافة إلى الإسلاميين المستقلين كهيثم المالح ونزار الحراكي. وهي كتلة تدعمها السعودية وتؤيدها. وفيما يجنح «الإخوان المسلمون» لأسباب متباينة إلى تأييد موقف الخطيب في رفض الحكومة المؤقتة، ولكن من غير المؤكد أن يدعموه في الاجتماع الائتلافي المقبل.
ليست هناك تعليقات:
Write commentsشكرا