26 سبتمبر 2012

نهاية الشعبوية

    9/26/2012 08:38:00 ص   No comments

وفر الربيع العربي للباحثين والمحللين مختبرا لمراقبة التغيرات الاجتماعية الجذرية حينما تحدث. من خلال ثورة  تونس ومصر عاينا مشروع المقاومة السلمية وقدرة الشعوب على التغلب على قمع الأنظمة الجائرة. في ليبيا، رأينا كيف تقاطعت المصالح القبلية والدولية لخلق حلفاء من كيانات متنافرة إيديولوجيا ودينيا. كما كشفت الانتفاضة اليمنية عن محدودية  الإرادة الشعبية في مواجهة اللامبالاة. في سوريا، يمكن القول أن الفعاليات الإقليمية والدولية قد استعجلت انتفاضة قبل نضجها لإزاحة نظاما قاوم الرضوخ لإملاءات الغرب وعرب النخبة. الأهم من ذلك، يجب على المرء أن يسأل لماذا يتمتع الأسد بشعبية على الرغم من قمعه العنيف للمعارضة ، موضوع نادرا ما تناقشه وسائل الاعلام الغربية. على الرغم من أن الانتفاضة السورية مستمرة، يمكننا أن نتعلم الكثير منها كما تعلمنا من تجارب دول الربيع العربي الأخرى.

بدون شك، مسار الانتفاضة في سوريا يختلف عن مسار الانتفاضات التي وقعت في تونس ومصر واليمن وليبيا.  لكن أسباب الإنتفاضة السورية  ليست مختلفة بالضرورة عن مثيلاتها في دول الربيع العربي. قبل إنتفاضة  مارس 2011، توقع بشار الاسد ان تكون سوريا  في مأمن من تغيرات الربيع العربي لأن سياسات نظامه كانت تحظى بشعبية كبيرة بين الجماهير  السورية والعربية. ربما  كان على حق جزئيا. لكن يبدو أنه بالغ في تقدير رأسماله السياسي مع السوريين وقلل من تشابه نظامه بالأنظمة العربية الأخرى المهددة بالتغيير الثوري. هذا التشابه يكمن في احتكار عشيرة واحدة للسلطة.



يمكن القول أن محاذاة الأسد للقضايا العربية الشعبية قد اشترت له رأسمالا سياسيا وحسن النية. لكن هذا الرأسمال السياسي وحسن النية  محدودان زمنيا وعمليا لا سيما في وجه الشبه الذي يتقاسمه نظامه مع بقية الأنظمة العربية إذ أن الأسد (وعائلته)، مثله في ذلك مثل زين العابدين بن علي ومبارك وصالح والقذافي، أنفرد واحتكر الحكم في البلاد فترة طويلة جدا. بالمقابل, لقد يئست  الشعوب العربية من القادة الذين يحتكرون السلطة السياسية والاقتصادية. لذلك يبدو أن الشعوب العربية مصممة على إنهاء الحكم الدائم وليست مهتمة بمكافأة  الشعبوية. انهاء الحكم الدائم والإستبداد، في تقديري، هو أحد أهم أسباب الانتفاضة السورية لما بدأت في مارس 2011 ومفتاح حل الصراع الآن.

صحيح، إن القوى الاقليمية والعالمية تتحمل جزءا من المسؤولية عن النزاع العسكري الحالي في سوريا. لكن من الصحيح أيضا أن فشل الرئيس الأسد في الإصلاح حرمه من الدعم الذي يمكن أن يكون عونا له للصمود أمام التدخل الأجنبي. يستطيع أن يدعي، محقا، أن يعض الدول الأجنبية مثل المملكة العربية السعودية وقطر وتركيا مهتمة بشكل علني بإسقاطه. ولكنه لا يستطيع أن ينكر أنه وعائلته حكموا سوريا بنفس الطريقة التي يحكم بها الطغاة العرب المحتكرين للسلطة لعقود. عدم  الاعتراف بهذه الحقيقة، سيطيل إراقة الدماء كما ستستمر القوى الإقليمية في المقامرة بدماء الشعب السوري.

بإمكان الأسد انقاذ حياة كثيرا من السوريين وانهاء تشريد مئات الآلاف من المدنيين وحماية مؤسسات الدولة  باستقالته من منصبه ونقل السلطة إلى حكومة انتقالية. وعلى هذه الحكومة البدء  في إرساء مؤسسات حكم رشيد خال من العشائرية والعرقية والمحسوبية والإستبداد.  ببساطة، ليس الأسد  الشخص الوحيد الذي يمكنه أن يحكم سوريا. بالتأكيد، هناك العديد من السوريين المؤهلين الذين يمكن أن يقودوا البلاد للخروج من هذه الأزمة. أن يدعي البعض أن شخصا واحد وشخصا واحد فقط يمكنه أن ينقذ سوريا من الإرهابيين والأعداء الأجانب هو في النهاية تأكيدا على الطابع الاستبدادي للنظام الحالي.

على الأسد والميليشيات المسلحة المعارضة لحكمه تحمل المسؤولية عن القتل والدمار. لن يستطيع أي منهما تحقيق المصالحة وإنهاء العنف في البلاد. إن احتفظ الأسد بالسلطة، سيواصل المتطرفون والسلفيون المنتمون إلى النهج السعودي القتال والتفجير الإجرامي. وإن استولت الجماعات المسلحة على المؤسسات الحكومية، ستنزلق سوريا  في حرب أهلية قد تكون طويلة ومدمرة. تباعا، يكمن  أسرع طريق للاستقرار في  حل يحافظ  على مؤسسات الدولة ويضمن توفير الخدمات والأمن. التعنت والعناد ترف لا يمكن لأحد تحملهما وسط نزيف الدم وخراب الدمار:قد يكفي ما يقرب من 20000 قتيل، وأكثر من 1000،000 لاجئ ونازح، واقتصاد محطم لإرغام أي قائد مسؤول على التنحي. في الواقع، ستمكن الإستقالة  الرئيس الأسد من استعادة الأمل في سوريا الغد ومن عزل المتطرفين والانتهازيين في نفس الوقت.

على النقيض من ذلك، فإن الحل العسكري يجيز استخدام العنف ويخلق مساحة لنمو التطرف. لقد خطفت الميليشيات المسلحة الانتفاضة السلمية. فقد زعم قادة هذه الميليشيات أن هناك حاجة إلى التسلح لحماية المدنيين. بدلا من ذلك، قد خاطروا بحياة المدنيين وبممتلكاتهم. دخلت الميليشيات حي بعد حي ومدينة بعد مدينة، ثم انسحبت تحت النار في ما يسمونه "تراجعا تكتيكيا." في كل مرة تنفذ انسحابا " تكتيكيا"، تترك الميليشيات المدنيين تحت رحمة القوات الحكومية والمجموعات الموالية لها. حتى في الحالات التي إمتنعت قوات النظام  القيام بأعمال انتقامية، تُرِك الاهالي لحياة الخوف من المجهول أو لمغادرة منازلهم نحو مخيمات اللاجئين. تعتبر هذه الحقائق وحدها خيردليل على  فضائل المقاومة المدنية  ومساوئ العنف المسلح.

في نهاية المطاف،ستكون استقالة الأسد رسالة قوية إلى بقية الحكام المستبدين العرب الذين يعتقدون أن كرمهم المالي أو الإصلاح التجميلي أو الشعوبية أو المكانة الدينية قد تضفي عليهم الشرعية لمواصلة احتكارهم الحكم. فمن الواضح أن كرامة الشعوب تقوم على الإعتقاد في أن لجميع المواطنين حقوقا غير قابلة للتصرف بما فيها حق  المشاركة المجدية والفعالة في الحياة العامة وأن كرامة الإنسان تشمل بالضرورة الحق في العيش دون خوف والترشح لمناصب سياسية أو تأييد زملائهم لتولي مناصب في السلطة. لقد انتهى عصر الإجماع السلبي على الحكم الدائم الذي يقوم على قشرة رقيقة من الشعوبية كما ولى عهد التهميش والإحتكار الإستبداد.

غير معرف

About غير معرف

هيئة التحرير

Previous
Next Post
ليست هناك تعليقات:
Write comments

شكرا

المتابعون


ابحث عن مقالات مثل التي قرأت

Advertise Here

المقالات الأكثر قراءة

_____________________________________________________
حقوق التأليف والنشر © مراجعات. جميع الحقوق محفوظة.