عبد الله سليمان علي
يدخل المشهد «الجهادي» في سوريا مرحلة جديدة من الفرز وإعادة الهيكلة. وإذا كان عنوان المرحلة السابقة هو الطلاق بين «جبهة النصرة» من جهة وتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش»، فعنوان هذه المرحلة سيكون طلاقا آخر بين «جيش الإسلام» و«أحرار الشام»، ليصل بذلك التحالف الذي حمل اسم «الجبهة الإسلامية» إلى نهايته بعد فقدانه الغطاء الإقليمي لاستمراره.
ويسير «جيش الإسلام»، بقيادة زهران علوش، بخطى حثيثة على طريق إكمال إجراءات الطلاق مع «حركة أحرار الشام الإسلامية» التي اضطر إلى الاقتران بها تحت مظلة «الجبهة الإسلامية»، التي كانت في حينها مطلباً سعودياً، أرادت الرياض من خلاله مواجهة مسار مؤتمر جنيف ومنع اتخاذه منصةً لإعلان الحرب على الإرهاب كما كانت تريد كل من دمشق وروسيا.
ويسير «جيش الإسلام»، بقيادة زهران علوش، بخطى حثيثة على طريق إكمال إجراءات الطلاق مع «حركة أحرار الشام الإسلامية» التي اضطر إلى الاقتران بها تحت مظلة «الجبهة الإسلامية»، التي كانت في حينها مطلباً سعودياً، أرادت الرياض من خلاله مواجهة مسار مؤتمر جنيف ومنع اتخاذه منصةً لإعلان الحرب على الإرهاب كما كانت تريد كل من دمشق وروسيا.
في ذلك الوقت، أي قبل مؤتمر جنيف، كانت أهم الفصائل المسلحة ـ باستثناء «داعش» و«النصرة» ـ تندرج في إطار جبهتين اثنتين هما «جبهة تحرير سوريا الإسلامية»، التي كان ينتمي إليها «جيش الإسلام» و«ألوية صقور الشام»، و«الجبهة الإسلامية السورية» التي كانت تهيمن عليها «حركة أحرار الشام» وتضم «لواء الحق». ويبدو أن الأمور تسير باتجاه استعادة ذلك الواقع، مع تغييرات تفرضها التطورات الميدانية والتحديات العسكرية المركبة التي تعيشها الساحة السورية.
فلم تمض 24 ساعة على إعلان الاندماج الكامل بين «جيش الإسلام» و«ألوية صقور الشام» حتى تبين أن خطوة الاندماج هذه لم تكن سوى تمهيد لخطوة أشمل، من شأنها توسيع الفجوة بين مكونات «الجبهة الإسلامية» والسير بها على طريق «المفاصلة الثانية» بعد المفاصلة الأولى بين «داعش» و«القاعدة». وتمثلت هذه الخطوة بالإعلان يوم أمس عن ولادة تحالف عسكري جديد ضمّ 18 فصيلاً من أكبر الفصائل الموجودة على الأرض.
والأمر المهم في هذا التحالف الجديد أنه لا يخفي سعيه إلى أن يكون الواجهة الجديدة للنشاط العسكري الموحد في سوريا، وبالتالي الاستيلاء على مسمى «الثورة السورية» والعمل باسمها، رغم أن فصائل كبيرة أخرى غير ممثلة فيه، مثل «أحرار الشام» و«جبهة النصرة».
ونص البند الأول من اتفاق هذه الفصائل على «تشكيل مجلس قيادة الثورة السورية، ليكون الجسم الموحد للثورة السورية». وحدد الاتفاق مهلة 45 يوماً يتم خلالها اختيار قائد للمجلس، وتشكيل المكاتب التابعة له، وخصوصاً المكتب العسكري والقضائي. وسيتوزع تشكيل المجلس الجديد، بحسب الجبهات التي كان يتوزع عليها تشكيل «هيئة أركان الجيش الحر» وهي الجبهة الشمالية، والشرقية والجنوبية، والغربية، والوسطى، بحيث يكون لكل جبهة من هذه الجبهات فرع يقودها، مؤلف من ممثلين عن جميع الفصائل المشاركة في تشكيل «مجلس القيادة».
وأهم الفصائل الموقعة على الاتفاق، هي «جيش الإسلام» و«ألوية صقور الشام» و«جبهة ثوار سوريا» و«حركة حزم» و«جيش المجاهدين» و«الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام» و«حركة نور الدين الزنكي» و«فيلق الشام» و«لواء الحق» و«هيئة دروع الثورة» وفصائل أخرى غيرها. وإذا كان غياب اسم «جبهة النصرة» عن الاتفاق يبدو طبيعياً، لأنها لم تدخل رسمياً من قبل في أي تحالف عام بين الفصائل، فإن غياب اسم كل من «أحرار الشام» و«لواء التوحيد» يطرح تساؤلات عديدة حول مصير «الجبهة الإسلامية»، اللذين يعتبران من مؤسسيها مع كل من «جيش الإسلام» و«ألوية صقور الشام» و«لواء الحق».
ورغم أن الاتفاق ترك الباب مفتوحاً لانضمام فصائل أخرى إليه، مشيراً بذلك على نحو خاص إلى «أحرار الشام»، إلا أنه من المستبعد أن يحدث ذلك، من دون أن يكون مستحيلاً، لاسيما وأن «أحرار الشام» تعيش تحت ضغط هائل من الاستقطاب والتجاذب بين نهجها ذي الميول «القاعدية»، وبين مقتضيات الميدان وما تفرضه من تحالفات تخالف نهجها، وما يتفرع عن ذلك أحياناً من حالات صراع داخلية بين قيادة الحركة وبين قاعدتها العسكرية.
وقد سبق لـ«أحرار الشام» أن رضخت للضغوط، ووافقت على بعض المواثيق والاتفاقات التي كانت ترفضها من قبل، ومثال ذلك التوقيع على «ميثاق الشرف الثوري» الذي أحدث جدلاً واسعاً، وأثار اتهامات متبادلة مع كل من «جبهة النصرة» و«الدولة الإسلامية»، بسبب تلميحه إلى موضوع استبعاد «المهاجرين» من خلال تأكيده على العنصر السوري في العمل الثوري. وأكد مصدر من داخل «أحرار الشام»، لـ«السفير»، أن قيادة الحركة رفضت «ميثاق الشرف الثوري» عندما عرض عليها أول مرة، لأنها اعتبرته يتضمن بنوداً تشكل انحرافاً عن ثوابتها ومخالفةً لمنهجها. لكن الحركة عادت ووافقت على الميثاق من دون أي تعديل، بسبب التطورات الميدانية التي فرضتها حرب الفصائل «الجهادية» ضد بعضها البعض.
وتشير المعطيات المتوافرة إلى أن «حركة أحرار الشام» لا تنطلق في تحديد موقفها بناءً على التطورات الميدانية فحسب، بل إن عامل التمويل يلعب دوراً كبيراً في تحديد الكثير من مواقفها، لاسيما بعد أن خسرت القسم الأكبر من مواردها المالية، التي كانت تدرها عليها آبار النفط في المنطقة الشرقية أو بعض المعابر الحدودية التي كانت تحتكر إدارتها قبل فقدانها السيطرة عليها، مثل معبر تل أبيض في ريف الرقة. لذلك تجد الحركة نفسها أسيرةً نوعاً ما لمصدر التمويل، المتمثل بتبرعات رجال الأعمال الخليجيين، والذين يسيرون في فلك أجهزة استخبارات بلادهم، وعلى رأسهم السعوديون والكويتيون.
وبذلك يكون زهران علوش قد نجح في حشر «أحرار الشام» في زاوية ضيقة لا تملك فيها الكثير من الخيارات. فإما أن تسير معه في تحالفه الجديد، متخليةً بذلك عن منهجها وثوابتها وما قد يترتب عنه من تزايد حالات الانشقاق عنها، وإما أن ترفض الانضمام إليه مخاطرةً بفقدان جزء آخر من مصادر تمويلها، الأمر الذي سيضعف من فاعليتها على الأرض ويضعها أمام تحديات جديدة.
في كافة الأحوال، وأياً كان قرار «أحرار الشام»، فإن هذه التطورات تعني أن «الجبهة الإسلامية» قد وصلت إلى نقطة النهاية بعد ثمانية أشهر فقط من تأسيسها، وأن الطلاق بين مكوناتها قد يصبغ المرحلة المقبلة بألوان جديدة من الصراعات والمعارك.
ليست هناك تعليقات:
Write commentsشكرا