17 أكتوبر 2012

لهذه الأسباب يموت السوريون

    10/17/2012 11:39:00 ص   No comments

علام أحمد

لنتفق أولاً أن مقالنا التحليلي هذا ليس انتصاراً لأحد دون آخر، بل دعوة للتبصر والعقل في وجه النفاق الإعلامي والسياسي، وفرض وفاء واجب لسورية الوطن شعباً وتاريخاً وحضارة، ولنقف بعدها معاً في مواجهة مصيرنا بعد تسعة عشر شهراً من عمر أزمة وطنية شاملة، كانت بدايتها احتجاجات مطلبية عادلة “انتفاضة شعبية”، لكنها انحرفت عن مسارها وتحولت إلى ثورة مسلحة ذي طابع إسلامي موجه وبعيد عن قيم الإسلام المعهودة، وتم تسويقها من لحظات تشكلها الأولى على أنها مقاومة مدنية جاءت كردة فعل على الممارسات الأمنية للسلطة، ودخل في تطوراتها مرتزقة متطرفون من وراء الحدود اعتمدوا لغة الاغتيال والتفجير والقتل بأبشع الوسائل فازدادت الأزمة الوطنية تفاقماً وكارثية.


القتل المجاني .. أسباب ونتائج

أولاً: عسكرة المجتمع

أدى التحول في الاحتجاج من التعبير بالتظاهر إلى حمل السلاح لعسكرة المجتمع بمن فيهم الأطفال وتدمير البشر والحجر وطموح وأخلاقيات أجيال بالجملة، لأكثر من سبب أبرزها: قصور متراكم عن مواكبة تطلعات الشعب وإرادته في التعبير والتغيير، مهّد لنشوء جيل لا يدرك ماهية التعددية السياسية، فسار بعضهم باندفاع غرائزي تجاوز خلاله وسائل التعبير السلمية فأحرقوا وخربوا ما صادفهم من ممتلكات عامة وخاصة، متصورين أن من ينتظر ردعهم هو قوة عنف وقمع اختزنوا معالمها في ذاكرتهم الجمعية وتوارثوها في أحاديث الهمس والإيماء، وإن كانت هذه الرواية صحيحة حتى بعد بداية الاحتجاج بفترة إلا أن تعميمها على امتداد أشهر تالية يناقض الموضوعية إذ حدث استجابة من السلطة، ولكن هل تأخرت تلك الاستجابة، أم أنها شكلية فقط، أم أن هناك إرادة حقيقية بالتغيير الجذري؟ هذا ما وجب الإصرار على متابعته سلمياً وسياسياً مادامت بواكيره ظهرت، لكن للأسف تم العمل على تكذيبه والاستخفاف به من قبل أطراف لها مصلحة في تأجيج الوضع خدمة لأغراض أضرت بالحراك الشعبي الذي بدأ ينحسر تدريجياً تحت ضغط العنف المتبادل بين مجموعات تحمل السلاح وأجهزة أمن لم تميز بين صالح أو طالح في سعيها لاحتواء الانفجار الحاصل لسببين أولهما عدم تأهليها بما يتناسب وحساسية المرحلة، وثانيهما الخسارات المتتالية في كوادرها وصل بعضها لحد المجازر الجماعية، ما دفعها إلى اعتماد نبرة اتهام جاهزة أدت لاعتقالات وتعذيب وسجن، مواكبة بذلك أجهزة الإعلام المحلية التي فشلت في أصعب اختباراتها المهنية والوطنية لما يزيد عن عام في تغطيتها للحدث، إلى جانب اعتمادها أسلوب التصنيف والتخوين في أدائها وتحديداً مع بعض معارضين “وطنيين” يقيمون خارج البلاد بسبب من أفكارهم التي أثبتت مصداقيتها، ما دفع بأعداء سورية الدولة لا النظام إلى استغلال تلك الثغرات لصالح مشروعهم عبر وسائل إعلام تجاوزت كل مواثيق الشرف والأمانة والأخلاق، لدرجة تناول أعراض الناس وخصوصياتهم العائلية خدمة لأجندتها السياسية.

ثانياً: خطاب دموي

يأتي في درجة أكثر خطورة خطاب وأفكار بعض فصائل معارضة:

- جماعة لها إرث دموي في ذاكرة الوطن والشعب منذ أحداث الثمانينات عبر صراع استمر لسنوات مع السلطة، وكان الواجب بيان حقيقة ما جرى وأسبابه الخفية بشكل منهجي وتوثيقي، لإبطال مفعوله العاطفي الكاذب على الأجيال اللاحقة، ومنع استثماره بطريقة غير أخلاقية سياسياً وإعلامياً كما حدث.

- شخصيات كانت لزمن بعيد وقريب صاحبة قرار في سورية، لكن مرحلتها انتهت، وأرادت الانتقام من السلطة لأسباب خاصة لم توضحها لا هي ولا السلطة، فركبت الموجة وراحت تتاجر بالشعب ومصيره في مزادات خارجية، وعلى النقيض منها شخصيات دفعت ثمناً باهظاً في السجون والمنافي، لكنها لم تكن بمستوى الأزمة الوطنية ولم تحسن التعامل مع جراحها فلوثت نضالها على حساب الوطن والكرامة وصارت أداة انتقام بيد غيرها.

- وآخر تلك الفصائل شخصيات في شكلها دينية وسياسية وفي مضمونها متطرفة انتهازية، هدفها الظهور وحجز مقعد أينما توفر حتى لو كان على جثث الناس، عبر وسيلتي ” إعلام مقيد بهدف تبعاً لأجندة الوسيلة وفضاء انترنت مفتوح حيث حدَّث ولا حياء”. وجميع تلك الفصائل بأقسامها السابقة تقف وراءهم أموال وأجهزة استخبارات أجنبية وفق ما كشفته الأحداث وأثبته الواقع، ويكفينا منها دعوتها للتدخل العسكري وتحريضها على العنف والقتل وإقصاء من لا يتفق مع أهدافها، إضافة لجريمتهم الكبرى بحق العلم الرسمي للبلاد.

وأمام ما سبق ومهما كان لنا من اعتراض على الكثير من سياسات السلطة التي يدهش المرء أحياناً لدرجة الصدمة تعاملها مع بعض القضايا الطارئة داخلياً وخارجياً، فعلينا ألا نقف في صف تلك الفصائل والشخصيات التي تدّعي سعيها لتحرير سورية وبنائها ولا من يقف معها، وألا نبارك لهم جرائمهم التي يلبسونها وجوهاً زائفة وتبريرات كاذبة تقودها قوى الظلام والاستعماريون الجدد، عسى أن نستطيع الاحتفاظ بما أنجز رغم التضحيات والعمل على تطويره، والأهم الحفاظ على ما تبقى لنا من سورية دون دمار.

تدمير الدولة

لم تتوقف مبادرات الحل السياسي وعقد المؤتمرات داخل البلاد وخارجها، لإنهاء المأساة المتجددة كل يوم، لكن أياً منها لم تفلح حتى الآن في ظل حملة اتهامات متبادلة يدّعي فيها كل طرف أنه على حق بناءً على رغبة الشعب المغلوب على أمره، والباحث عن خلاصه بعيداً عن شبهة الصفقات السياسية والمفاوضات المؤجلة، وبات مدركاً بعد كل ما حدث من يقف معه ومن يعمل ضده، لاسيما بعد أن غاب حضور الاحتجاج الحقيقي على الأرض وحل مكانه صوت المعركة ضد نظام يجب إسقاطه بأية وسيلة، وعلى الرغم من الصدع الكبير الذي لحق بالبنية السياسية للنظام إلا أنه لم يسقط برموزه ومرجعيته الإيديولوجية للآن، ما دفع بأصحاب هذه النظرية إلى خطوات جديدة ركزوا خلالها على نسف البنية التحتية واستهداف المقار العسكرية والدفاعية لإسقاط الدولة بكل مكوناتها، وتدمير سورية بنسيجها المعقد وقيمها المتنوعة تحت شعار إسقاط النظام، دون توفير لأي هدف يصادفونه في طريقهم مادام عاملاً مساعداً على خلق الفوضى، وهنا يدفعني الحق للانحناء أمام كل الشهداء وبالأخص منهم شهداء المؤسسة العسكرية ” الجيش العربي السوري” الذي تعرض لحملة تشويه وحرب نفسية بكل الوسائل والطرق.

حقائق علينا الاعتراف بها

لو اعتبرنا أنه ما من ثورة قامت عبر التاريخ ولم تدفع ثمناً لتثبت مشروعيتها وأقله الضحايا الأبرياء، فعلينا التمييز بين ذلك والبدايات الأولى لما حدث في سورية على مدى أشهر وكان انتفاضة حقيقية يعرف أسبابها كل سوري، مهما كان توجهه السياسي ومشروعه الوطني بمن فيهم أعضاء حزب البعث الذي لن يستطيع أحد مهما انتقده على أدائه القيادي إنكار أنه مكون سياسي رئيس من المجتمع السوري له نجاحاته وإخفاقاته كما له حلفاؤه وخصومه، ولم تزل لديه طموحات تنافسية في العمل السياسي الفاعل، ولذا إن أي خلاص من الصراع الدائر يستثني شراكته هو حل مستهلك سيزيد أزمتنا الوطنية تأزماً بعد أن تحولت إلى حرب مفتوحة بالوكالة على أرضنا بين قوى إقليمية ودولية تسعى لتصفية حساباتها وتستعملنا وقوداً لها، كما تسعى لرسم معالم جديدة للشرق الأوسط وتطبيق خارطة النظام العالمي الجديد وفق مصالحها، وعلينا جميعاً السعي بصدق لتشجيع وتأييد إجراء مصالحة وطنية علنية شاملة بين السلطة والشعب من جهة، والسلطة وجميع أطراف المعارضة الوطنية من جهة أخرى، تبدأ بها السلطة أولاً، وبعدها يتم الاحتكام إلى طاولة مستديرة تضمن حواراً وطنياً تشاركياً فاعلاً بلا استثناءات يكون أولى الخطوات المؤسسة لبناء دولة مدنية ديمقراطية تعددية، ودون ذلك – وليس تهويلاً أو إقناعاً بالمبادرة السابقة – سنجد أنفسنا نواجه حرباً أهلية مدمرة بدأت معالمها بالظهور منذ أشهر ونحتاج لعلاج بوادرها هذه سنوات طوال، فماذا سنفعل لو أنها انطلقت بكل طاقاتها من تحت الرماد؟ أترك الجواب على هذا السؤال لكم وللأيام.

عن سيريا بوليتيك

غير معرف

About غير معرف

هيئة التحرير

Previous
Next Post
ليست هناك تعليقات:
Write comments

شكرا

المتابعون


ابحث عن مقالات مثل التي قرأت

Advertise Here

المقالات الأكثر قراءة

_____________________________________________________
حقوق التأليف والنشر © مراجعات. جميع الحقوق محفوظة.