‏إظهار الرسائل ذات التسميات تركيا. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات تركيا. إظهار كافة الرسائل

2 ديسمبر 2016

هل تشير مراجعات أردوغان المتتالية والمتكررة إلى اضطرابات نفسية أم إلى انعدام الحكم المؤسساتي في تركيا أم كليهما؟

    12/02/2016 06:51:00 ص   No comments
ملاحظات المحرر: هل تشير مراجعات أردوغان المتتالية والمتكررة إلى اضطرابات نفسية أم إلى انعدام الحكم المؤسساتي في تركيا أم  كليهما؟
______________ 

أردوغان يتراجع... مرة أخرى

 حسني محلي

بعد أقل من 24 ساعة على الاتصال الهاتفي بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، خرج الأخير لينفي ما قاله سابقاً، بالقول إن «عملية درع الفرات في الشمال السوري لا تستهدف شخصاً أو دولة بل الإرهابيين». هذه الجملة تحولت إلى مادة أساسية لجميع محطات التلفزيون والمواقع الإخبارية، وحتى شبكات التواصل الاجتماعي التي اتهمت أردوغان بالتراجع والتناقض الخطير، ليس في السياسة الداخلية فحسب، بل الخارجية أيضاً.

وليس جديداً أن يناقض أردوغا
رجب طيب أردوغانن نفسه في التصريحات خلال أيام أو حتى ساعات؛ ففيما كان يمتدح الداعية الاسلامي فتح الله غولن دائماً ويقول إنه قدّم إليه كل ما أراده، عاد ليعلن الحرب عليه بعدما ساهم غولن في كشف قضايا فساد نهاية عام 2013، تورّط فيها أردوغان وأولاده وبعض الوزراء المقربين منه. لكن الناخب التركي، الذي يصوّت لأردوغان، لم يعد يسمع بهذه التناقضات بفضل سيطرة الرئيس على 90٪‏ من وسائل الإعلام التي تتجاهل تصريحاته المتناقضة وتجد لها أحياناً تفسيرات غريبة.
وكان أردوغان قد قال قبل يومين، في مؤتمر عن القدس حضرته شخصيات إسلامية إقليمية وعالمية، إن «عملية درع الفرات تهدف إلى إطاحة حكم الرئيس (بشار) الأسد الظالم»، وهو ما أبرزته وسائل الإعلام العالمية، في الوقت الذي أعلنت فيه الأوساط الإسلامية أن أردوغان «زعيم تاريخي يناضل من أجل الحق، أي دعم الجماعات المسلحة في سوريا باعتبار أنها اسلامية، حتى إن كانت متطرفة».
لكنّ الإعلام الموالي له تجاهل أيضاً ردود الفعل الروسية على أقواله، خاصة حديث مصادر في الكرملن عن «غضب الرئيس بوتين من هذه التصريحات التي تتناقض مع الإطار العام لاتفاق بوتين مع أردوغان، منذ أن اعتذر الأخير من روسيا بسبب إسقاط الطائرة الروسية في ٢٤ تشرين الثاني ٢٠١٥». بعد ذلك، سعى مصدر في الرئاسة التركية إلى التهدئة عبر القول في الإعلام إنه «لا ينبغي تحميل الكلمات معاني أكثر مما تستحق». ويبدو أن بوتين لم يقتنع بهذه المحاولة، ما دفعه إلى تحميل وزير خارجيته رسالة واضحة يطلب فيها من أردوغان أن «يكذّب نفسه بنفسه، بأي أسلوب كان».

كان هذا «التهديد» كافياً بالنسبة إلى الرئيس التركي ليتراجع عمّا قاله قبل يومين، وهو ما يثير تساؤلات عن أسباب هذا التراجع وماهية العلاقة بينه وبين بوتين، في وقت وصف فيه أعضاء في البرلمان، عن «حزب الشعب الجمهوري» المعارض، أقوال أردوغان بأنها خطيرة، خاصة إذا كان بوتين يملك بعض الأوراق الخطيرة التي يلوّح بها ليجبر أردوغان أولاً على الاعتذار رسمياً من موسكو، وثانياً وقف الدعم للجماعات المسلحة في سوريا، خاصة في حلب، وأخيراً تخليه عن مشروع إسقاط الأسد.
المفاجأة الثانية ظهرت عندما اضطرت وزارة الخارجية التركية إلى اعترافها بخطأ فادح في ترجمة أقوال الوزير الروسي سيرغي لافروف، خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده مع نظيره التركي مولود جاويش أوغلو في مدينة أنطاليا، حينما قال لافروف إنه «لا روسيا ولا سوريا، أو قواتهما الجوية، على علاقة بمقتل الجنود الأتراك قرب مدينة الباب»، فنقل المترجم هذا الكلام: «ليس الروس، بل السوريون هم الذين هاجموا الجنود الأتراك». وأشار لافروف خلال المؤتمر الصحافي إلى أنه تم «نقاش هذه المسألة بعد الحادث على عدة مستويات» مع الجانب التركي، مشدداً على ضرورة «مراجعة هذه القضية مع الولايات المتحدة وباقي الأطراف».
في غضون ذلك، يستمر تجاهل الإعلام الموالي لأردوغان، في الداخل والخارج، هذا التكذيب، كما حال تجاهل أقوال الرئيس نفسه. وكان الإعلام الموالي منذ عام يهدد ويتوعد روسيا وبوتين ويقول إن أردوغان سيلقّن الرئيس الروسي درساً لن ينساه، كما لقّن العثمانيون أعداءهم الروس درساً. ويتزامن ذلك مع الجدال المبكر حول مصير الوجود العسكري التركي ودوره المحتمل في الشمال السوري، بعدما بات واضحاً أن أردوغان لن يستطيع التصرف بالقوات التركية المذكورة إلا في الإطار الذي حدّده بوتين، ومنع فيه الجيش التركي من دخول مدينة الباب، فيما منع الأميركيون تركيا من الاقتراب من منبج التي تسيطر عليها «وحدات حماية الشعب» الكردية.
إلى ذلك، اتفق «حزب العدالة والتنمية» الحاكم مع «حزب الحركة القومية» على مسوّدة التعديلات الدستورية الجديدة التي تهدف إلى تغيير النظام من برلماني إلى رئاسي. وقال رئيس الوزراء بن علي يلدرم، خلال مؤتمر مع زعيم «الحركة القومية»، إن التصويت على هذه التعديلات في البرلمان سيكون خلال الأيام القليلة المقبلة، على أن يكون الاستفتاء الشعبي في الربيع المقبل. ويمنح الدستور الجديد أردوغان صلاحيات مطلقة في جميع المجالات، بعد إلغاء منصب رئيس الوزراء، على أن يجري تعيين أو انتخاب نائبين لرئيس الجمهورية.

17 أكتوبر 2016

رجب طيب اردوغان يجمع الوقاحة والكبرياء والإستعلاء والدهاء... طوبى لمن أراد رجلا بهذه الصفات صديقا وناطقا باسمهم

    10/17/2016 11:55:00 ص   No comments
مقدمتنا: رجب طيب اردوغان يجمع الوقاحة والكبرياء والإستعلاء والدهاء... طوبى لمن أراد رجلا بهذه الصفات صديقا وناطقا باسمهم.
_______________________
 
سامي كليب


نشأته مثيلا لما قاله قبل يومين الرئيس التركي رجب طيب اردوغان لنظيره العراقي حيدر العبادي. بلغ الذل العربي مرحلة يستطيع فيها سليل السلطنة العثمانية مخاطبة رئيس وزراء دولة عريقة بحضارتها وتاريخها كالعراق بالقول: «إن صراخك يا سيد عبادي ليس مهمّاً بالنّسبة لنا على الإطلاق، فنحن سنفعل ما نشاء، وعليك أن تعلم ذلك، وعليك أن تلزم حدّك أولاً».. أما الرد العراقي الرسمي فكان أبيخ من أن يُذكر، وذكّرنا بشكاوى العرب ونحيبهم أمام مجلس الأمن ضد إسرائيل.
في الجانب القانوني، ما قاله اردوغان خرق فاضح لسيادة دولة مفترض انها مستقلة (حتى ولو أنها مشرّعة لكثير من الدول الإقليمية والدولية). وفي الجانب الأخلاقي هذه وقاحة. وفي الجانب السياسي والديبلوماسي، فان كلامه لا يدخل مطلقا في أصول المخاطبات. اما في الجانب المذهبي، فهذا جوهر الكارثة التي تحرق الوطن العربي من رأسه حتى أخمص قدميه. يريد اردوغان بكل بساطة ان يقول للعبادي، لن اسمح لك بان تُسكن الحشد الشعبي (ذا الغالبية الشيعية) مكان سنة الموصل. ليس في الأمر اذاً محاولة ابداء الحرص على السنة العرب والتركمان والكرد فقط وإنما فيه شيء من أحلام التاريخ حيث كانت الموصل جزءا من السلطنة العثمانية. هنا لا شك أن اردوغان يدغدغ مشاعر قسم لا بأس به من العراقيين تماما كما كان حاله في سوريا ومصر وغيرهما، فثمة من يرى فيه حاميا للسنة مقابل حماية ايران للشيعة. وهذه مصيبة. فكيف لا يسأل اردوغان: «هل يمكن تفريق غازي عنتاب عن حلب، وسيرت عن الموصل..؟».
العقل الاردوغاني لن يتغير. لنعد قليلا الى جوهر موقفه مثلا حيال سوريا. يقول:
يسألوننا عن أسباب انشغالنا بسوريا. الجواب بسيط للغاية، لأننا بلد تأسس على بقية الدولة العليَّة العثمانية. نحن أحفاد السلاجقة. نحن أحفاد العثمانيين.
هذا ما قاله مرارا أيضا احمد داوود اوغلو رئيس الوزراء السابق ورئيس حزب العدالة والتنمية سابقا ومنظّر السياسة الخارجية التي اختصرها في كتابه المهم «العمق الاستراتيجي». قال اوغلو قبل ان يُلقي عليه اردوغان كل مصائبه ويُبعده:
إن «شرقًا أوسط جديدًا يولد في المنطقة، وفكر هذا الشرق الجديد سترسمه تركيا التي ستقوده إلى التغيير».
وها هو اردوغان يقول في نهاية الشهر الماضي إن معاهدة لوزان لعام ١٩٢٠ هزيمة وليست نصرا. ما يعني ان الرجل مهجوس فعلا بإعادة مناطق عربية او يونانية وغيرها الى السلطنة الجديدة. يبدو ان ضم أراضٍ جديدة هو شروط أساسية لترسيخ عهد أي سلطان، تماما كما ان التواجد في واحدة من المدن الثلاث بغداد ودمشق ومكة هو شرط لترسيخ أي خلافة عبر التاريخ.
اصطدم المشروع التركي بالانقلاب العسكري المصري على الاخوان المسلمين واطاحتهم من الحكم. واصطدم بصمود الجيش السوري ودخول «حزب الله» وإيران ثم روسيا على خط الحرب. واصطدم بخذلان حلفائه في الأطلسي وبتحول الحرب السورية الى ساحة صراع روسي أميركي. وأخيرا شعر بأن الفخ الكردي في الشمال السوري أكبر من أن يتحمل استمرار السياسة التركية على حالها. طوى الصفحة وذهب لعند الرئيس فلاديمير بوتين يطلب العون، ووجد روسيا أيضا بحاجة اليه في ملفات أمنية وسياسية واقتصادية ونفطية كثيرة.
لم يتخَلَّ أردوغان عن أحلامه في سوريا وحلب. لا يزال يجاهر بموقفه المطالب برحيل الرئيس الأسد، ولا يزال يراهن على تغيير بعض قواعد اللعبة عبر جمع مجموعات مسلحة في اطار واحد بالتنسيق مع بعض الدول الخليجية خصوصا في الريف الحلبي. لكنه مضطر لتغيير بعض الاتجاهات موقتا بسبب التقارب مع روسيا والهم الكردي. لا بد إذاً من مكان آخر وساحة أفضل في المرحلة الحالية. لعله يجد في العراق خير الساحات. علاقته بكرد الشمال ممتازة سياسة وأمناً ونفطاً، خصوصا مع مسعود برزاني. هو قادر على اختراق الأراضي العراقية لضرب حزب العمال الكردستاني، فلماذا لا يقدم نفسه مجددا كقائد سني يغري جزءا من العرب بشعاره حماية سنة الموصل ومنع ايران من توسيع دورها. ألم يكن لافتا انه بعد تحقيره العبادي، سارع مجلس التعاون الخليجي لفرش السجاد الأحمر لوزير الخارجية التركي؟
قال رئيس الوزراء التركي بن علي يلديريم قبل أيام: «لا تَمَسّوا سكان الموصل الأصليين. ان الموصل للموصليين. يجب عدم تغيير ديمغرافية الموصل عبر جلب مدنيين من خارجها وتوطينهم فيها». كذلك فعل اردوغان بحديثه عن سبب بقاء جيشه في «بعشيقة»، مشيرا الى الحرص على «السنة العرب والسنة التركمان والسنة الأكراد».
قد يفهم المرء ان الرئيس التركي يريد وقف التقدم الشيعي الايراني في العراق. فبعض المتطرفين الايرانيين عبّروا هم أيضا عن أحلام توسعية حين صار بعضهم يتحدث عن السيطرة على ٤ عواصم عربية وغير ذلك من الكلام الاستعلائي. لكن هل في الأمر فعلا حرص على السنة ضد «تمدد» شيعة ايران وشيعة العراق عبر الحشد الشعبي وغيره؟ اذا كان الأمر كذلك فلماذا هذا الصراع السياسي المرير بين تركيا اردوغان ومصر عبد الفتاح السيسي منذ اطاحة الاخوان؟ وماذا فعل الموقف التركي فعليا للسنة في غزة المحاصرة والمدمّرة غير الكلام؟ لا بل ماذا فعل حين حوصرت وسحقت وقتلت مناطق سنية بكاملها في سوريا والعراق وليبيا وغيرها؟
الواضح ان الهدف التركي لا يختلف عن الهدف الاميركي ـ الخليجي في الموصل. يراد قطع الطريق على أي صلة وصل بين إيران وسوريا عبر العراق، كما يراد دفع مسلحي «داعش» وغيرهم من الأراضي العراقية صوب سوريا لاستكمال استنزاف روسيا وايران والجيش السوري و«حزب الله». ويراد كذلك إعادة رسم التوازنات المذهبية في العراق حتى لو رسخ ذلك احتمالات التقسيم التي تخدم إسرائيل قبل غيرها.
لكن هل يُلام فعلا اردوغان، ام يُلام قادة هذا النظام العربي المترنح في فِخَاخِ الفتن والاقتتال وأوهام الانتصارت على بعضهم البعض. فماذا فعلوا هم لغزة او اليمن او سوريا او ليبيا او حتى للصومال الجائع؟
لنتذكّر قليلا: قبل ساعات من غزو أميركا وبريطانيا للعراق وإعدام الرئيس صدام حسين، جرى الحوار التالي بين غوندوليسا رايس والأمير بندر بن سلطان، نقله حرفيا الكاتب الأميركي الشهير بوب ودوورد في كتابه «خطة الهجوم»:
قالت رايس وهي الصريحة والمرحة عادة (على حد تعبير ودوورد): «احبس أنفاسك، إننا مقتحمون، لا أحد يعرف ما سيحدث في نحو ٤٥ دقيقة، كيف سيتغير العالم».
سأل بندر: «أين هو الرئيس؟».
رايس: إنه يتناول طعام العشاء في هذا الوقت بالذات مع السيدة الأولى، وبعد العشاء قرر أنه راغب في أن يكون وحده».
بندر: «قولي له إنه سيكون في دعائنا وقلوبنا، فليباركنا الله جميعا»؛ أي ليباركه الله في المشاركة بتدمير واحد من أعرق وأكبر الدول العربية. ممتاز.
ثم اتصل الأمير بندر بولي العهد السعودي الأمير عبدالله، قائلا بالشيفرة حول قرب وقوع الغزو: «تقول النشرة الجوية الليلة إن مطرا غزيرا سيهطل على الروضة».
رد ولي العهد: «يا إلهي، سمعتك، سمعتك، هل أنت متأكد؟»
الأمير بندر: «نعم انا متأكد جدا، إن لدى الأميركيين قدرات عظيمة، أقماراً صناعية ومما اليها للتنبؤ بأحوال الجو».
من فعل هذا بشعبه، تخيل ما يمكن ان يفعله بالآخرين؟

لم تكن السعودية وحدها راغبة بتدمير نظام صدام حسين الذي ارتكب حماقة احتلال الكويت وهدد وتوعد دولا خليجية بعد انتهاء الحرب مع ايران. كانت أنظمة عربية كثيرة تريد ذلك وتعمل على ذلك وتساهم في ذلك. يجب ان نعترف بانه لولا التآمر العربي لما أعدم صدام (وبقي مرفوع الرأس في لحظة الإعدام)، ولولا التآمر العربي لما دُمِّر العراق ولما قُتل القذافي ودمرت ليبيا. ولولا التآمر العربي لما استشهد ياسر عرفات بطلا بالسم الإسرائيلي بعدما ساهم العرب ووهم السلام في عزله بمقاطعة العز في فلسطين، ولولا التآمر العربي لما غرقت سوريا وليبيا بالتدمير الممنهج بغض النظر عن أخطاء هذا الطرف او ذاك.
لا يلام اردوغان إذاً على طموحه بعد ان ساهم العرب بقتل بعضهم البعض. نكاد نقول اذاً: «برافو على اردوغان». هو يحاول إعادة المجد الى دولته. حقه ان يحلم ويعمل لحلمه. نقول أيضا إن إيران لا تلام على توسيع دورها، حقها ان توسّعه طالما ان العرب قرروا إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي بالذل. اما الذي يُلام فهو هذا النظام العربي المهترئ الذي شرّع الأبواب لكل الغزاة. فكيف لا يقول رئيسٌ تركي لرئيس حكومة إحدى كبرى الدول العربية: «إلزم حدودك». هو يدرك انه من خلاله يقول لكل عربي: «إلزم حدودك» بغض النظر عما إذا كان هذا العربي شيعيا او سنيا او مسيحيا... انه من فتح كل الأبواب وشرعها لكل غازٍ وحالم.
يبدو بعد مرحلة تدمير الدول المركزية، ومن خلال الاشتباك التركي العراقي و«التلطيشات» التركية لإيران والادبيات الإسرائيلية الأخيرة، أن ثمة وقتا قد حان ربما لرسم خرائط ما بعد الدمار. يريد التركي ان يكون له نصيب ان لم يكن في سوريا فلا بأس في العراق.

متى يصحو العرب؟ او على الأقل: متى يوقفون التآمر على بعضهم البعض؟

7 سبتمبر 2016

دمشق-أنقرة.. خطران وفرصة

    9/07/2016 04:49:00 م   No comments
* محمد سيف الدين
 
رياح الشمال الجديدة هبّت على سوريا هذه المرة برائحة الغبار المعتّق 500 عامٍ بالتمام والكمال مع دخول الأتراك إلى جرابلس. وأمام دمشق وأنقرة اليوم فرصة، ولكن يعيقها خطران تجاوزهما ممكن.
للمرة الألف بعد الألف تتبدل ظروف الميدان السوري. سياسات الدول وأدواتها. عيون المخططين الاستراتيجيين على الأرض بظواهرها وبواطنها. أولئك الجاثمين على جثث الدول. مشرحو الأوطان. ومقسمو قالب الموت. معارك الكر والفر والغزو. الانتصارات والانسحابات. الإحلال والاحتلال. التحرير والتحرر. مشروعات التفتيت والتقسيم من جهة، وأحلام العودة إلى المربع الأول قبل الخمس العجاف من جهة مقابلة. إغراء الانفصال. وطموح القادة الميدانيين. أفكار الجهاد والجنة والحور ومائدة الرسول. طاولة المفاوضات. وهم القوى الإقليمية لاستعادة أمجاد التوسع، ونهم القوى الكبرى لرسم مساحات العالم الجديد. أرض أنبياء الله الذين جالوا على شعوبها بما وُهبوا، وجادوا على العقول بما أوحي إليهم، سعياً لهدفٍ واحدٍ ومفهوم واحد: السلام. ذلك الكنز المفقود دائماً في ساحة الصراع الأزلي المسماة بـ"الشرق الأوسط".

رياح الشمال الجديدة هبّت على سوريا هذه المرة برائحة الغبار المعتّق 500 عامٍ بالتمام والكمال. من اليوم الذي اقتحم فيه السلطان العثماني سليم الأول مملكة المماليك في مرج دابق عام 1516، وحتى الرابع والعشرين من آب الحالي، يوم بدأ جيش تركيا الأردوغانية هجومه من جرابلس في وسط الشمال السوري، سعياً إلى استدراك ما فات من المنطقة الآمنة، كأمن هاتاي، اسكندرون سوريا الضائع في مرحلة اقتسام سابق، يوم جلس المخططون ذاتهم، فوق جثث الدول ذاتها، لصنع العالم الجديد يومها. أو تحفّزاً للمرحلة القادمة من العلاقة مع دمشق.

التركي قادم من الشمال

في عمق الضباب الذي يلف مباحثات الكواليس بين عواصم الشرق والغرب حول الأزمة السورية، وفي لحظة التسمر العالمي أمام معركة حلب، أطلقت تركيا يوم الأربعاء في الرابع والعشرين من آب الماضي عمليةً عسكرية في مدينة جرابلس السورية لتحريرها من سيطرة تنظيم "داعش"، كما أعلنت. وذلك في أول تدخل عسكري تركي معلن بهذا الحجم في الحرب السورية.

تشير أنقرة إلى أن حملتها هذه تستهدف الإرهاب. وهو يتمثل وفق رؤيتها بتنظيم "داعش" من جهة، وبالمجموعات الكردية المرتبطة بحزب العمال الكردستاني من جهةٍ ثانية. وقد أمّن الموقع الجغرافي لجرابلس معطى تقاطعت فيه الأهداف في عدسة القناص التركي الذي يرصد الشمال السوري منذ اندلاع الأزمة في البلاد، وأمام أعين الاستراتيجيين الأتراك الذين لم يتوقفوا يوماً عن تحيّن الفرص في هذه المساحة المثيرة دوما ًلشهوة حكام أنقرة. فالمدينة كانت تقع تحت سيطرة تنظيم داعش، المغضوب عليه عالمياً، وفي الوقت نفسه فهي تقع في المنتصف بين المناطق التي تسيطر عليها الجماعات الكردية في الحسكة في أقصى الشمال الشرقي لسوريا وعفرين في أقصى الغرب. إذن، تقاطع في جرابلس هدفان تركيان: محاربة الإرهاب المرتد إلى الداخل التركي، ما يفيد أيضاً في تحسين صورة تركيا كدولةٍ تكافح ضد الإرهاب. ومنع الكرد من وصل مناطق شرق الفرات بمناطق غربه، والتقدم نحو دولتهم المنشودة.

ولكن هل يستطيع الكرد فعلاً إقامة دولتهم هذه في الشمال السوري؟ ومن هي القوى العالمية والإقليمية التي ستدعمهم في سبيل تحقيق ذلك؟. الإجابة عن هذين السؤالين تقود إلى هدفٍ تركيٍ ثالث محتمل، وهو الدخول إلى الشمال السوري والبقاء فيه. الأمر الذي يزيد من تعقيد المشهد. فما هي أولوية أنقرة حقيقةً؟  

تبدّل أولويات تركيا

لقد رأت صحيفة "الغارديان" البريطانية بعد يومين على دخول تركيا إلى جرابلس أن أكثر ما يثير قلق أنقرة في الشمال السوري هو احتواء الكرد، ولكن لتركيا سوابق في انتزاع مناطق سورية في مراحل اقتسام النفوذ بين القوى الكبرى. فهي ضمّت لواء الاسكندرون من محافظة حلب منذ عام 1939 بعد انسحاب فرنسا منه، وقد أعطى المؤرخ ستيفن لونغريج اللواء تسمية "الألزاس واللورين السورية"، في إشارة إلى الإقليمين الفرنسيين اللذين ضمتهما ألمانيا بعد الانتصار على فرنسا.

ولعبت تركيا كل أوراقها في الأزمة السورية خلال الأعوام الخمسة الماضية. قبل ذلك كانت تستميت للدخول إلى الاتحاد الأوروبي، مدفوعةً بتحسن اقتصادها في ظل حكم "العدالة والتنمية". وفي سوريا أيضاً استماتت لتحقق تلك المنطقة الآمنة التي تتيح لها التأثير في مستقبل سوريا، وفي إعادة تشكيل حدودها معها. والحدود هنا تعني ظاهر الأرض وباطنها.

ولكن فشل المشروع التركي وارتداداته أجبر أنقرة على إعادة النظر في سياساتها. فإحدى هذه الارتدادات كان خسارة العلاقة مع روسيا لسبعة أشهر، مع كل المخاطر التي أنتجها ذلك من ناحية. ومن ناحيةٍ ثانية تدهور العلاقة مع واشنطن، خلال وبعد استعادة الدفء في العلاقة مع موسكو.

وإلى جانب ذلك، لم يكن مسموحاً لتركيا أن تنفذ رؤاها في الشمال السوري من قبل الأميركيين والروس في السنوات السابقة لعدة أسباب، أهمها عدم الرغبة الأميركية بالصدام مع روسيا، كون تركيا دولة أطلسية، واصطدامها المباشر مع روسيا في سوريا كان ليطرح معضلة أمام المنظومة الأطلسية، فإما الانخراط في الحرب، أو الرضوخ للرغبة الروسية وترك أنقرة وحيدة في الميدان، ما سيعتبر انتصاراً للروس على الناتو كله.

أما السبب الآخر فهو أن الجموح التركي كان سيستتبع انخراطاً أطلسياً في حرب قرر التركي إشعالها مع روسيا، وبالتالي إعطاء تركيا دوراً قيادياً لا تملكه ضمن الحلف الأطلسي، وهذا ما ليست واشنطن بوارد تقديمه لتركيا، أو لأية دولة أطلسية أخرى.

أما في المرحلة الجديدة، فإن السياسة التصالحية التي يقودها رئيس الوزراء بن علي يلدريم تحاول تضميد الجروح في العلاقات الإقليمية لأنقرة، مهما كانت عميقة. وفي هذا السياق أعلن يلدريم أن بلاده تعيد تطبيع العلاقات مع روسيا والكيان الإسرائيلي، وأنها في صدد التطبيع مع القاهرة ودمشق. هذه الأخيرة تصف ما أصاب المنطقة بـ"الفالق" الاستراتيجي. هذا الإعلان لن يكون مفاجئاً لمن تابع كواليس الأشهر الأخيرة من عمل الديبلوماسية التركية. فأنقرة تعبت من العداوات التي أحدثتها سياسة الثنائي أردوغان-داود أوغلو، التي حُمّل الأخير مسؤولية تخطيطها وتنفيذها. والآن حان وقت سياسة جديدة مختلفة تعيد لشرايين السياسة الإقليمية الأردوغانية الحياة، وتسهم في مناعة أنقرة الداخلية بعد إنذار الانقلاب الفاشل ونتائجه على الرئيس والدولة، والتي أشرنا إليها في مقال سابق (أردوغان قوي.. تركيا ضعيفة).

اتخذت أنقرة خطوتها في جرابلس في لحظة حساسة جداً. على بعد خطوتين من الانتخابات الأميركية التي يرجح أن تحمل كلينتون إلى البيت الأبيض. وفي خضم معركة حلب والاندفاع السوري نحو حسمها. وفي ظل إصرار الأميركيين والروس على صياغة تفاهم بعيدٍ عن الأضواء حول حلٍ حقيقيٍ للأزمة، يرسم الطريق للخروج منها، ويؤسس لتقاسم المصالح بين الدوليتن هناك، ولكنه تعثّر مرحلياً خلال لقاءات الطرفين في قمة العشرين. واللافت أيضاً أن هذا يجري أيضاً في لحظة تقارب إيراني-روسي، أي مع استبعاد أن تأتي تفاهمات الروسية المنتظرة مع أنقرة وواشنطن على حساب مصالح طهران في سوريا. وقد كتبت صحيفة "فورين بوليسي" قبل يومين تقول إن موسكو وطهران اكتشفتا أن تدخل أميركا في الشرق الأوسط يضر بمصالحهما المشتركة، وأن تحقيق هذه المصالح هو في سياسة معارضة للولايات المتحدة هناك.

وفي الوقت نفسه، أتت الخطوة التركية في سياق السياسة التصالحية التي تنتهجها أنقرة مؤخراً في علاقاتها الدولية، وفي ظل معلوماتٍ نفتها الرئاسة الروسية عن مبادرةٍ يقودها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لجمع الرئيسين السوري والتركي في لقاء مباشر بحضوره. وحتى إن لم تصح هذه المعلومات فإنه من الصعب توقع جنوح تركيا باتجاه مشروع مناهض لدمشق في الشمال، أي أن معنى التدخل في جرابلس يصبح محصوراً في محاربة "داعش" والجماعات الكردية المرتبطة بحزب العمال الكردستاني. وكانت المعلومات التي نشرتها جريدة السفير اللبنانية في الثالث من الحالي أشارت إلى أن المبادرة الروسية تبلورت في لقاء بوتين وأردوغان في قمة بطرسبوغ قبل نحو شهرين. وأن القمة المذكورة تزامنت مع زيارة ضباط سوريين رفيعي المستوى لروسيا. وأن التنسيق جارٍ على قدمٍ وساق لعقد اللقاء التاريخي بين أردوغان والأسد، غير أن ذلك يبقى غير متوقع في اللحظة الحالية.

ولا يضر في ذلك المنطق تصريح أردوغان الأخير عن نية بلاده إقامة المنطقة الآمنة، فتصعيد الشروط جائز قبل لقاءٍ بهذه الأهمية؛ وبالمقابل فإن وزارة الخارجية السورية أدانت التدخل التركي الذي رأت فيه خرقاً لسيادتها، واتهمت أنقرة بالسعي إلى "إحلال" تنظيمات إرهابية مدعومةً منها محل "داعش". وطالب مصدر في الوزارة في حديثٍ لوكالة الأنباء السورية "سانا" بإنهاء هذا "العدوان" ودعا الأمم المتحدة لتنفيذ قراراتها المتعلقة بشكل خاص باحترام سيادة الدول ووحدة أراضيها، وبضرورة احترام الجانب التركي والتحالف الأميركي للقرارات الدولية وخاصة ما يتعلق منها بإغلاق الحدود وتجفيف منابع الإرهاب".

ولكن الموقف السوري الذي جاء من مصدرٍ في الخارجية لوكالة الأنباء، وبعد يومين على التدخل التركي، أعطى مؤشرات مختلفة. فالحكومة السورية تشعر بالخطر التركي فعلاً، ولكنها ربما تمتلك ضمانات بعدم توسع أنقرة في أهدافها، وبالتالي يأتي هذا الموقف من باب الاحتياط وحفظ الحقوق، فيما السياق يأخذ الأمور باتجاه تفاهم أنقرة مع موسكو، مع ضعف احتمال أن يقوم أردوغان بخذلان بوتين مجدداً. سوريا تراهن على ذلك، مستمسكةً بالحيطة والحذر في الوقت عينه.

أميركا.. كرد كالبارزاني وليس كأوجلان

أما الكرد ممثلين بقوات حماية الشعب، فهم طامحون إلى كيانهم المستقل، ولكنهم لا يجدون القوة القادرة على دعم نشوء هذا الكيان حتى نهاية المطاف. وعلى الرغم من التنافس بين واشنطن وموسكو على اجتذاب الكرد خلال السنتين الماضيين، على أساس أنهم القوة الأكبر في الشمال التي تصلح لأن تُلبس لباس المعارضة المعتدلة. فإن أياً من الدولتين غير مستعدة للسير بالمشروع الكردي حتى النهاية، والمخاطرة بانعكاسات ذلك على مستوى العلاقة مع دول المنطقة الرافضة للحلم الكردي. فالمصالح مع طهران وأنقرة ودمشق أولى بالتنافس عليها. وبالنسبة لواشنطن على الأقل، فإن النموذج الكردي المفضل هو كرد السلطة في شمال العراق، وليس كرد حزب العمال. وبالتالي فإن واشنطن يمكنها أن تدعم بارزاني سوري وليس أوجلان آخر.

ومع أن الكرد انسحبوا خلال الأيام الماضية من مدينة منبج المهمة كرمى لعيون واشنطن كما قالت مجلة "التايمز" البريطانية، إلا أن العلاقة بين الجانبين تبقى ضمن حدود المصالح الأميركية الكبرى في المنطقة، وهي لا تعني موافقةً أميركية على مجمل تفاصيل المشروع الكردي.

وفي خرائط الاقتصاد والسياسة في المنطقة والتي يعمل على خلقها بين العواصم الكبرى، تريد واشنطن استعادة أنقرة إلى بيت الطاعة بكامل اندفاعتها، وبالدور الذي تراه هي لها إذا أمكن، ولا يكفيها التواجد معها ضمن حلف شمال الأطلسي، مع بقاء نزعة أردوغان باتجاه فتح المسارات مع روسيا وإيران إلى الحد الذي وصلت إليه الأمور الآن. وبعد سنوات من تفضيل الخارجية الأميركية لتحالفها مع دول الخليج العربية على حساب تركيا، بسبب سهولة السيطرة على مفاصل الحكم والمقدرات هناك، وصعوبة التحكم بدولةٍ مثل تركيا تمتلك وسائل إنتاجها وشخصيتها القومية؛ تحتاج واشنطن إلى أنقرة من أجل العقود المقبلة في الشرق الأوسط، وهي لا تريد رؤية سيناريو تركيا في حضن بوتين. خصوصاً وأن أشواطاً من العلاقات الروسية مع مصر وإيران قد قُطعت، ما يؤشر إلى خطر محورٍ من القوى الإقليمية تترأسه قوة عالمية عائدة كروسيا. هو خطر على المشروع الأميركي في المنطقة. دونه عقبات وبعيد، لكنه كارثي.

أميركا التي تلمس خطر تفلّت المتطرفين الإسلاميين، باتت تدرك أهمية إحداث تغيير في سياسات بعض حلفائها العرب تجاه هذه المسألة. وفي هذا الإطار تتحدث صحيفة "نيويورك تايمز" عن وجود إجماع سياسي وإعلامي في الولايات المتحدة على الدور السلبي للسعودية في تغذية الإرهاب. وتسأل ما اذا كان العالم اليوم أكثر انقساماً وخطراً وعنفاً بسبب الأثر التراكمي لخمسة عقود من التبشير من قبل السعودية؟

وبالمقابل تريد موسكو من أردوغان تثبيت اعتذاره عن إسقاط الطائرة الروسية بالأفعال، بعد أن تم جانب الأقوال. والأفعال بدأت منذ قمة بطرسبورغ الأخيرة. المصالح الروسية-التركية بالغة الأهمية للطرفين، وقد اختبر الطرفان سبعة أشهر من تعطل هذه المصالح، وعرفا أن ذلك آخر ما يريدانه معاً.

معركة تحت الضباب

التنسيق بين أنقرة وواشنطن تراجع إلى أدنى مستوياته. هذا ما خلصت إليه صحيفة "وول ستريت جورنال" التي اعتبرت أن الهجوم التركي في سوريا فاجأ الولايات المتحدة. وبحسب الصحيفة التي نقلت معلوماتها عن مسؤولين أميركيين فإن البيت الأبيض كان بصدد النظر في خطةٍ سرية لانضمام القوات الأميركية الخاصة الى الاتراك في الهجوم، لكن أنقرة أقدمت على خطوتها من دون إعطاء إنذارٍ مسبق لواشنطن. الأمر الذي منع واشنطن من تحييد حلفائها الكرد من دائرة الاستهداف. ومع أن الأميركيين قاموا بتغطية القوات التركية من الجو، غير أن الصحيفة تقول إن قائد المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي "جو فوتل" استخدم صلاحياته لتوفير هذا الغطاء. إذن كيف تغطي واشنطن هجوماً ليست على تنسيق تام بشأنه؟

الواقع أن الأميركيين يريدون من الهجوم التركي هدفين إن أمكن. الهدف الأول ضرب "داعش"، والثاني الإضرار بفرص قوات الجيش السوري وحلفائه في حلب وريفها، تمهيداً للتفاوض مع الروس. مع الاحتفاظ بقدرة الكرد على لعب دور الورقة الرابحة لواشنطن أمام جميع الأطراف.

أما الأهداف التركية فهي مختلفة. الهجوم التركي يصيب كل الخصوم دفعةً واحدة. لكن القوات السورية قد تكون في آخر سلم الأولويات في هذا الإطار، تبعاً للسياق الذي يعمل بوتين على العناية بمساره. إذن بالنسبة لتركيا تراتبية الخصوم تبدأ بالكرد وتمر بـ"داعش" لتصل أخيراً إلى القوات السورية التي بإمكانها التحول إلى حليف في لحظةٍ ما على هذا المسار، كما أشرنا في مقالات سابقة.

وبالنسبة للروس فهم يريدون إنهاء الحرب في سوريا مع الاحتفاظ بنفوذهم الحاسم هناك، وهم يقبلون إشراك الآخرين في منافع نهاية الحرب. وتركيا بالنسبة إليهم أكثر أهمية مما هي عليه بالنسبة لواشنطن؛ فهي لاعب أساسي في هذه الحرب، وتغيير دورها يشكّل عاملاً حاسماً فيها، وهي الدولة القريبة من حدودهم، والتي جمعتها معهم حروب كثيرة، ومناطق نفوذٍ مشترك، وتجمعها اليوم مع موسكو مصالح كبرى ليس أقلها تمديدات الغاز، ومرافىء التصدير، وضبط الأمن في القوقاز..

أما بالنسبة لدمشق، فإن كل من يتصارعون في الشمال اليوم هم في لحظةٍ ما من الحرب خصوم لها. ومع نجاح مساعيها في قضم محيط العاصمة بالمصالحات، فهي توفر جهوداً لمعارك الشمال، في الوقت الذي يعمل فيه حلفاؤها على إعادة وصلها بالدول المهمة التي كانت على عداوةٍ معها. وحساباتها النهائية مع الجميع تتوقف على نتائج مواجهات هؤلاء بين بعضهم البعض. وهي تمتلك ضمانة جيشها الذي يمثل القوة الأبرز على الأرض على الرغم من كل ما واجهه في السنوات الماضية. وهي اليوم أمام خطرين وفرصة:

الخطر الأول: انفصال الكرد.

الخطر الثاني: إقامة تركيا للمنطقة الآمنة، ثم التوسع وربما البقاء فيها.

أما الفرصة فهي: استعادة التنسيق مع تركيا ونسج مصالح مشتركة من خلال لقاء الأسد-أردوغان الذي قد يفتح الباب للحديث عن نهاية الأزمة السورية بصورةٍ جدية للمرة الأولى.

وهذا لا يعني أن تركيا أصبحت ضمن حلفٍ روسي-سوري. بل إنها لا تزال عضواً في حلف شمال الأطلسي. وهي بالنسبة لسوريا وروسيا دولة أطلسية، بعقيدة أطلسية عنوانها التوسع والاحتواء. ولكنها دولة قائمة بمؤسساتها الدستورية العريقة، وحضارتها الضاربة في التاريخ، ومصالحها المتشعبة بين الشرق والغرب. وفي لحظة اقتسام النفوذ للعقود القادمة، فإن شخصية الدولة في تركيا حاضرة للاختيار. ومع رئيس له شرعية شعبية قوية، مرتابٌ من الأميركيين، ويتوجس من نيتهم الإطاحة به، فإن هذه المعطيات تقود أنقرة تدريجياً إلى إجراء تفاهمات مع موسكو وطهران ودمشق والقاهرة. الجميع منزعجون من الأميركيين. والجميع غير قادرين على الاستغناء عن واشنطن نهائياً. فالأخطبوط الأميركي يمسك بتلابيب النظام الاقتصادي الدولي، وبالتالي فإن عدم توفر منظومة اقتصادية بديلة يترك هذه الدول فريسة لأيدي الأخطبوط فرادى. أما كمجموعة متآلفة مصلحياً، فإن هذه العواصم قادرة على خلق هامشٍ حقيقي للتأثير في مستقبل المنطقة. وهو هامش يتوقع أن يشكّل أمراً واقعاً يصعب على واشنطن تجاوزه. وعنوان هذا الهامش بخصوص سوريا: وحدتها، تنوعها وانفتاحها على مصالح الجميع.

فوضى سياسات.. الشيء ونقيضه معاً

الأمر ليس أن تأخذ كل الأطراف كل شيء أو أن لا تأخذ شيئاً على الإطلاق. بل إنها مرحلة صراع تحاول فيها الأطراف الحصول على أي شيء، مع عدم المخاطرة بفرص الحصول على شيء آخر مختلف. أي الأخذ من الشيء ونقيضه، وبالتالي ممارسة الشيء ونقيضه في آنٍ واحد. هكذا كانت السياسات طوال سنوات الأزمة السورية. ويعزز هذا النسق سريان نظرية الفوضى في المنطقة. هذه الفوضى التي تترك لتفاعلاتها الطبيعية وتنتج قوانينها بحسب موازين القوى كما كان يقول محمد حسنين هيكل. أو كما سمّتها كوندي رايس: الفوضى الخلاقة. هكذا تعمل.
__________________

* صحافي وباحث لبناني، بدأ عمله الصحفي عام 2007، عمل في الإذاعة وفي الصحافة المكتوبة والإلكترونية، متخصص في شؤون الأمن الروسي، والعلاقات الروسية الأطلسية. الكاتب على موقع تويتر: @mseiif

8 أغسطس 2016

«ثغرة الراموسة» تعيد «التوازن» ومن اجل ثغرة دبلوماسية لفلاديمير ورجب قبل لقاء سان بطرسبورغ

    8/08/2016 01:00:00 م   No comments
حلب بانتظار سان بطرسبورغ، وقد تنتظر العمليات العسكرية اللقاء الرئاسي التركي الروسي، قبل ان تحتدم من جديد، او تتضح وجهة العمليات، والصفقة السياسية. العودة الى ما قبل محاصرة الجيش السوري حلب الشرقية قد تكون الورقة التي حاول الهجوم التركي، عبر المجموعات المسلحة في حلب الحصول عليها، قبل ان يضع الرئيسان التركي رجب طيب اردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، غدا في سان بطرسبورغ، نقطة النهاية على مصالحة تنتظر مصافحة، وربما قبلات الختام. ولكي لا يلتقي الرئيس التركي بنظيره الرئيس الروسي، مهزوما استمات الاتراك، والحزب الاسلامي التركستاني، بالمعنى الحرفي للكلمة، وليس مجازا، بل وانتحروا بالعشرات عند اسوار كلية المدفعية والتسليح والفنية الجوية جنوب غرب حلب من اجل ممر، غير آمن، يبلغ عرضه ٩٠٠ متر، بطول كيلومترين، ويمتد من اطراف العامرية شرق حلب مخترقا الراموسة حتى كلية التسليح، حيث التقت ارتال المهاجمين، بالخارجين من حلب الشرقية وحصارها.
تحسين شروط اللقاء بين المتصالحين، واتمام العرس التركي ـ الروسي، قد يكون فرض اعادة تصحيح ميزان القوى نسبيا، بعد ان اختل كليا لمصلحة الجيش السوري في حلب، مركز الصراع على سوريا. الحرب على حلب من اجل التوازن في سان بطرسبورغ اعلن عنه رجب طيب اردوغان، الذي قال امس الاول ان «النظام حاصر حلب لكن المعارضة اعادت التوازن».

5 يونيو 2016

اردوغان يمهد لمراجعة سياساته الداخلية والخارجية

    6/05/2016 08:57:00 ص   No comments
عبد الباري عطوان
لا يعرف الرئيس التركي رجب طيب اردوغان من اين تأتيه الضربات الموجعة هذه الايام، ففي الوقت الذي كان يتواجد في كينيا في اطار محاولاته لفتح اسواق جديدة لتجارة بلاده في القارة الافريقية تعويضا لخسائرها بسبب المقاطعة الروسية، يتبنى البرلمان الالماني وبالاجماع قرارا بالاعتراف بـ”الابادة التركية” لاكثر من مليون ارمني قبل مئة عام.
الرئيس اردوغان الذي استفاق لتوه من ازمة رحيل ذراعه الايمن ومهندس سياسته الخارجية السيد احمد داوود اوغلو، رئيس الوزراء صاحب نظرية “صفر مشاكل” مع الجيران، التي اوصلت تركيا الى ما وصلت اليه من مكانة اقتصادية، واخرى سياسية، هدد الخميس من نيروبي بأن القرار الالماني سيؤثر بشكل كبير على العلاقات بين المانيا وتركيا، وتوعد بأنه سيتخذ “الخطوات اللازمة” لدى عودته الى انقرة، اما وزير العدل التركي بكير بوزواغ فقال موجها حديثه للالمان “تحرقون اليهود ثم تتهمون الشعب التركي بالابادة”.

28 نوفمبر 2015

حادثة إسقاط المقاتلة الروسية وصراع الولايات المتحدة للهيمنة وإقصاء القوى الصاعدة مثل روسيا والصين يعزز الاعتقاد بأن صاحب القرار ليس تركيا منفردة

    11/28/2015 10:33:00 ص   No comments
 معالجة حادثة إسقاط المقاتلة الروسية ضمن موازين القوى الدولية وصراع الولايات المتحدة للهيمنة وإقصاء القوى الصاعدة، وعلى رأسها الصين وروسيا، يعزز الاعتقاد بأن صاحب القرار لا تنطبق عليه مواصفات دولة من الدرجة الثانية، كتركيا، والتي لا تقدر على تحمل نتائج فعلة لها انعكاسات إقليمية ودولية بمفردها.

تراجع سريعاً تبرير تركيا عالمياً بالزعم أن إسقاط القاذفة الروسية جاء عقب اختراقها الأجواء والسيادة التركية، على الرغم من اختراق الطائرات الحربية التركية المتكرر لأجواء اليونان والعراق وسوريا وأرمينيا. وأثار موجة تداعيات وردود فعل متباينة، أبرزها توفير الرئيس أوباما غطاء سياسياً لأردوغان وحقه "في الدفاع عن سيادة أراضيه وأجوائها" واعتباره العمليات العسكرية الروسية "تسهم في تفاقم الأزمة لا سيما باستهدافها قوى من المعارضة السورية تدعمها تركيا."

وقطع الرئيس الروسي بوتين الشك باليقين، صبيحة الجمعة 27 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، بإعلانه أن قيادة بلاده أبلغت الولايات المتحدة مسبقاً بمهمة طائرتها قاذفة القنابل التي أسقطها سلاح الجو التركي، واستطراداً أن تركيا بحكم موقعها في حلف الناتو تلقت علماً بهوية الطائرة ومنطقة عملياتها.

وقال الرئيس الروسي في مؤتمر صحافي إن ”الولايات المتحدة قائدة التحالف الذي تشارك فيه تركيا، تعرف مكان وتوقيت مرور طائراتنا، وتم ضربنا في المكان والتوقيت المحدد بالضبط" مؤكداً أن زعم تركيا الجهل بطائرة السوخوي 24 "عذر عبثي" محذراً أردوغان من اللعب بالنار.

المتابعون


ابحث عن مقالات مثل التي قرأت

Advertise Here

المقالات الأكثر قراءة

_____________________________________________________
حقوق التأليف والنشر © مراجعات. جميع الحقوق محفوظة.